بغداد / محمد العبيدي
لم يعد خطر المخدرات في العراق مجرد أزمة صحية أو أمنية، بل تحوّل إلى ملف إقليمي حيث تتداخل شبكات التهريب مع مصالح اقتصادية واسعة، ومع تسجيل أرقام قياسية في الضبطيات والاعتقالات، تبدو الحرب ضد المخدرات أشبه بمعركة مفتوحة بين الدولة ومافيا دولية تمتد جذورها إلى خارج الحدود.
وأعلنت السلطات العراقية، تفكيك شبكتين لتجارة المخدرات في محافظتي ديالى والنجف، والقبض على 10 مسافرين بينهم خمسة أجانب بحوزتهم مواد مخدرة في أربعة مراكز حدودية.
وأوضح جهاز الأمن الوطني أن قواته تمكنت من استدراج أحد أبرز تجار المخدرات في ديالى وإلقاء القبض عليه في بغداد بكمين أمني، وضبط بحوزته كيلوغرامًا من الكريستال، كما أطاحت عناصره في النجف بمتهمين اثنين بحوزتهما أكثر من كيلوغرام من ذات المادة.
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية ضبط (10) مسافرين يحملون مواد مخدرة مختلفة في مراكز جمركية، مشيرة إلى إحالة جميع المتهمين إلى القضاء.
وسبق ذلك، إعلان وزارة الداخلية تلقيها معلومات وصفتها بـ"المهمة جداً" من إدارة المخدرات في السعودية، مكَّنتها من ضبط شحنة محمَّلة بأكثر من ألف كيلو غرام من حبوب الكبتاغون المخدرة، كانت دخلت العراق قادمة من سوريا عبر تركيا.
قلق من مسار جديد
وأثار ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا مخاوف من أن تجار المخدرات قد نجحوا في إيجاد مسار تهريب جديد للكبتاغون بعد انهيار نظام الأسد، حيث كانت هذه المواد تدخل العراق بشكل مباشر عبر المنافذ الحدودية.
ومع تصاعد العمليات الأمنية، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة السلطات على كبح شبكات التهريب التي قد تعيد رسم خارطة المخدرات في المنطقة مستغلة الفوضى والتغيرات الأمنية.
بدوره، قال عضو لجنة مكافحة المخدرات في البرلمان العراقي، أمير المعموري، إن "التحقيقات الأمنية والاعتقالات الأخيرة كشفت خيوط الجريمة بشكل واضح، حيث تبين أن الأمر ليس مجرد نشاط فردي، بل عمل تشاركي يمتد بين مختلف الفئات، فمن بين المتعاطين هناك منتسبون أمنيون، وأحيانًا أشخاص من عائلات ثرية، فيما يبرز بعض الناقلين كتجار صغار، لكن الشبكات الكبرى تظل محمية بغطاء من العلاقات والوساطات".
وأضاف المعموري لـ(المدى) أن "التحولات التي يشهدها ملف المخدرات في العراق تجاوزت مرحلة التعاطي إلى مرحلة الاتجار، ليصبح العراق ليس مجرد ممر، بل مقرًا لهذه التجارة، وهو ما يؤكد أن المسألة لم تعد محلية، بل باتت ضمن إطار إقليمي ودولي".
تنسيق إقليمي
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية عن ضبط أكثر من 6 أطنان و183 كيلوغرامًا من المواد المخدرة في مختلف المحافظات خلال عام 2024، إضافة إلى اعتقال 14,438 شخصًا بتهم الترويج والاتجار والتعاطي، بينما بلغ عدد المحكوم عليهم من قبل القضاء العراقي 8,930 مدانًا.
من جهته، أكد رئيس المركز الستراتيجي، لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، أن "خطر شبكات تجارة المخدرات لا يزال قائمًا، إذ تستمر هذه العصابات في إيجاد طرق بديلة لاختراق الحدود العراقية، ما يشكل تحديًا أمنيًا وإنسانيًا كبيرًا".
وقال الغراوي لـ(المدى)، إن "ضبط طن من الكبتاغون القادم من سوريا عبر الحدود التركية يُثبت أن العراق ما زال مستهدفًا من قبل عصابات الجريمة المنظمة، التي تسعى إلى جعله محطة رئيسية في تجارة المخدرات".
وأضاف أن "المعلومات التي قدمتها الجهات السعودية حول الشحنة المهربة تؤكد ضرورة التنسيق الإقليمي في مواجهة هذه الظاهرة"، لكنه شدد على أن "الحادث يطرح تساؤلات خطيرة حول قدرة العراق على ضبط جميع منافذه الحدودية، خاصة بعد تشديد الإجراءات على الحدود مع سوريا".
ولطالما اعتُبر العراق نقطة عبور رئيسية لتهريب المخدرات من أفغانستان وإيران باتجاه أوروبا ودول الخليج، إلا أن الوضع تغيّر جذريًا بعد عام 2003، حيث حولت الاضطرابات السياسية والاقتصادية، البلاد سوقًا استهلاكية رئيسية لأنواع مختلفة من المخدرات، وسط تفشي النزاعات وضعف الرقابة الأمنية.