TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

نشر في: 20 إبريل, 2025: 12:04 ص

طالب عبد العزيز

في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف ما يشار الى الادباء والفنانين الحاصلين على الجوائز الأدبية العالمية بأوربا، والأمريكتين مثل نوبل وبوليتزر، وبوكر، وبوكر الدولية، وجوائز PEN الأمريكية الأدبية، والجائزة الوطنية للكتاب.. وغيرها، إذْ سرعان ما تطوى صفحة الاحتفال، ليتحلل خبرُها، مع ما تحلل، وذاب، وماع من قرارات، وتنتهي الإشارة اليها، في غضون أسابيع، أو اشهر، في ابعد الأحوال.
يمكننا القول بأنَّ آلية منح الجوائز العربية اعتمدت آلية نظيراتها العالمية، وهو أمرٌ حسن، مستحدث في ثقافتنا، كما نعرف، إذ أنَّ تأريخنا العربي يشير الى أنَّ الخليفة أو الوالي هو من يمنح الشاعرَ الجائزة، التي تأخذ بنظر الاعتبار موهبة وقدرة الشاعر، على استمالة الخليفة، أو الوالي ومن ثم طريقته في التقرب منه، وتأثير الحاشية في ذلك، معلوم واضح أيضاً، لكنَّ الدولة العربية الحديثة وبعد سنوات؛ اعتمدت الآلية الاوربية- الامريكية في تحديد من يستحق الجائزة هذه وتلك، وربما كانت حكومة جمهورية مصر العربية في طليعة من أسس لها، ونظمت فعالياتها، وعلى أعلى المستويات، فصرنا نرى الرئيس عبد الناصر، وهو يعلق القلائد، والاوسمة، على أعناق الكبار من الشعراء، والكتاب، والفنانين، الامر الذي أكسب الجوائز تلك الأهمية والاعتبار.
تمنح الأنظمة السياسية المستقرة الجوائز الممنوحة فيها قيمة عليا، أما الأنظمة غير المستقرة، الدينية، الطائفية، أو الدكتاتورية المستبدة، أو القبلية المتخلفة فلا يمكنها منح الجوائز التي تمنحها قيمة عليا، هذا إن لم تكن تسيئ الى أصحابها، وهذا ما وجدناه في الجوائز التي كانت النظام السابق يمنحها الى (الادباء والمفكرين) العرب، والذين لم يجعلوها ضمن لوائح سيرهم الذاتية. كنتُ أقرأ في كتاب سيري كتبه روائي مصري معروف، عاش في العراق سنوات طوال، وكتب عن الحرب مع ايران، ومُنح جائزة صدام للآداب، وهي الجائزة الرفيعة، في حينها، لكنني فوجئت بأنه لم يذكرها في نسيج تجربته، كذلك وجدنا سعدي يوسف وقد تخلى عن جائزة كبيرة منحت له في احدى دول الخليج، ومعلوم أنَّ الأوساط الثقافية والسياسية العربية كانت قد طالبت الكاتب المصري يوسف إدريس بردِّ جائزة صدام، بعد غزوه للكويت، لكنه رفض قائلاً: لو رفضتها هل سيرجع صدام عن قراره؟
هناك فجوة في فهم الثقافة وأهميتها في الحياة العربية، وهناك تسويق رديئ لقضية الثقافة والجوائز معاً، عبر الممارسات السياسية والصحافة، ولا تخرج الجوائز الأدبية والثقافية في العراق عن ذلك، إذْ لم تحدث أن اكتسبت إحدى الجوائز أهمية تذكر، ولم يشر الى أصحابها بوصفهم كبارا، ولم تتغير سبل حياتهم، وكتاباتهم أيضاً، ذلك لأنَّ مؤسساتنا بعامة لم تعمل على وفق منهج ما، يقضي بأهمية الثقافة في الحياة العراقية. هناك بون واسع بين منتج الثقافة ومتلقيها، بمعنى ما؛ يمكننا أنْ نقول: هل أستطاعت الكتب التي مُنح أصحابُها بموجبها الجائزة الرفيعة من إحداث شيءٍ في الحياة العراقية؟ أم أنها مجرد كتبٍ، أُتّفِقَ على تقديمها وتخصيص الجائزة لها؟
يتوجب على القائمين على أمر الثقافة في العراق مراجعة الآليات والتشريعات والقوانين المعتمدة، في منح الجوائز، مثلما يتوجب على النظام السياسي العراقي الارتقاء بنفسه، ليكون بمستوى مسؤولية رعاية الثقافة والمثقفين، لا بوصفهم مكملات غذائية، إنما بوصفهم المرآة التي ينظر فيها العالمُ للعراق ولأدائهم السياسي. إن الدعوة التي أطلقها بعض الادباء العراقيين والخاصة بتشكيل مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب تستحق إعادة النظر، وأنَّ تدخل الجامعات والمؤسسات واللجان الثقافية في البرلمان في صوغ الآلية تلك يقع ضمن مهامهم الوطنية، بكل تأكيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram