TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المعماريّ الطليعيّ يسارياً

المعماريّ الطليعيّ يسارياً

نشر في: 14 ديسمبر, 2012: 08:00 م

توفي في الخامس من كانون الأول هذا العام المعماريّ البرازيليّ أوسكار نيماير Oscar Niemeyer (ولد عام 1907). اسمه يفوح برائحة ألمانية بسبب جدته القادمة من هانوفر، أما جده الذي كان نائبا عاماً، روبييرو دي المايدا، فاسمه (Almeida) برتغاليّ بجذور عربية على ما يقول هو نفسه. تتسجّل أعماله في نطاق ما يسمّى "بالأسلوب العالميّ" ذي المكانة المرموقة في إطار العمارة الحديثة.

عندما حاز   شهادته معمارياً عام 1934 كان ثمة صعود مدوٍ لفضاءٍ ووعي معماريين جديدين في أوروبا وأمريكا الشمالية، وَسَمَ العمارة العالمية بمنجزات روّاده والتر غرايبوس من البوهاوس وفرانك ليود رايت ولودفيغ مايس دير رويه ولوكوربوزييه. منذ بداية عمله متدرّباً، مجانا بصعوباتٍ مادية مُعتبرَة، كان نيماير ينجذب إلى عمل لوكوربوزييه. في عام 1936 ساهم مع لوكوربوزييه نفسه وآخرون في تصميم مقرّ وزارة التربية والصحة البرازيلية، ولاحقاً، في بداية الخمسينات، في تصميم مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك.

انضمّ إلى الحزب الشيوعي البرازيليّ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقدَّم، إثر وصول سلطة ديكتاتورية بانقلاب عسكري عام 1964، استقالته من الجامعة مع 200 شخصية أكاديمية، وأُغلقتْ مجلته المتخصّصة بالعمارة.

في عام 1967 هاجر إلى فرنسا، وفيها صمّم ما يناهز العشرين بناية، منها مقرّ الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ (1965-1980) ومقر جريدة اللومانيتيه (1989)، وكلاهما في باريس، وبورصة العمل في ضاحية سان-دنيس. وكلها تدلّ على خيارات ذات نزوع يساريّ، يشابهه رفضه، في الخمسينات، العمل في العراق الملكي.

قال كاسترو عام1995  أثناء زيارته مشغل نيماير: "لم يبق إلا شيوعيان في العالم: أوسكار وأنا". عزاها صحفيون عرب للمعماري نفسه: «أنا وفيديل آخر شيوعيين في أميركا اللاتينية». لعل سعدي يوسف استعار من هنا تعبيره "الشيوعي الأخير".

في العالم العربيّ صمّم جامعة منتوري في القسطنطينة – الجزائر (1971-1977)، البناية الجامعية لبرج أشكول في حيفا (1976)، جامعة هواري بومدين في العاصمة الجزائرية (1974)، معرض طرابلس الدوليّ (معرض رشيد كرامي الدوليّ) في لبنان (1968-1974)، القاعة البيضويّة للمركّب الأولمبيّ في عاصمة الجزائر، ومدرسة البولوتكنيك للعمارة وتخطيط المدن في الجزائر، وجامعة مولود معمري في تيزي أوزو.

يعتبر من أكبر معمارّيي القرن العشرين، وأهم رموز الحداثة في تجليها المعماريّ. إن تأثُّره بلاكوربوزييه لم يمنع من تمايزه وابتعاده عنه، عبر ميله الواضح للأشكال المنحنية خلافاً للأسلوب الصارم والوظيفي لكوربوزييه. كان يعتقد أن عملاً معمارياً عليه أن يكون "جميلاً وخفيفاً"، قائلاً: "بينما الزاوية الحادة تفْصِل وتقسّم، أحببتُ المنحنيات التي هي الجوهر نفسه للطبيعة المحيطة" بنا. وهذه الفكرة يقولها أيضاً أخوان الصفا.

وصفته صحيفة الليبراسيون الفرنسية إثر وفاته بأنه "المعماري الذي ثوّر العمارة الحديثة" وأنه قد لُقّب "بمعمار الشهوانية sensualité" بمعنى المشاعر الحسيّة. وتذهب الغارديان البريطانية (6-12-2012) إلى ذكر أنه: "أحد روّاد العمارة الحديثة. كانت تصاميمه للمباني والمشاهد المدينية  ذات تأثير كبير منذ عام 1930. كثير من أعماله ما زال يبدو مستقبلياً اليوم. وقد قال بأنه قد أثّر على معماريين عدة من الأجيال اللاحقة، منهم زها حديد وتويو إيتو وتاداو أندو وكريستيان دي بورتزامبارك".

كان نيماير معمارياً كبيراً، وفناناً طليعياً حقيقياً، ولم يتهمه أحد بتهمة الأيديولوجيا، خفيفة الاستخدام ثقيلة الظلّ في الثقافة العربية، بسبب بقائه متمسكاً حتى آخر نفَسٍ له بخياره اليساريّ. أنْ تكون معمارياً يسارياً لا يعني السقوط في الوظيفية الباردة على طريقة لوكوربوزييه الذي قد تصْدِق على بعض أعماله نفسها صبغة الايدولوجيا هذه، حيث لا أثر للفنتازيا، وحيث أنه كان، كما يقول نيماير نفسه عنه، يصمّم في لحظةٍ معينة في الثلاثينات "ماكنة  للسكن" بالأحرى، على أهميته القصوى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram