كان يوم الاستفتاء على الدستور، بالنسبة للمصريين، واحدا من اهم أيامهم بعد ثورة 25 يناير. وان كان هدف الاستفتاء الظاهر هو منح الشعب حق رفض او قبول الدستور الجديد، لكن الواقع يشير الى ان الأمر ابعد من ذلك بكثير. اكثر استطلاعات الرأي كشفت عن أن 72% من الذين ذهبوا للتصويت على الدستور لم يقرؤوه. فان كان اغلب الشعب المصري لم يقرأ الدستور، فلمن اذن منح "نعم" أو "لا"؟
باختصار، ان الهدف الرئيس لأصحاب "نعم"، هو أنهم يريدون دولة دينية والذين قالوا "لا"، يريدونها مدنية. ومن هذا الهدف الرئيس تتفرع أهداف أخرى. فمن يصوت بـ "لا"، قد يقصد لا لسيطرة قوى الظلام والتخلف والرجوع بمصر الى ما قبل عصر النور. ومن يؤشر على "نعم" قد يعني انه يؤدي فرضا من فروض العبادة والجهاد ضد الكافرين والمارقين والزنادقة!
كشف احد فقهاء الدستور، ليلة البارحة، ان دستور مصر، قيد الاستفتاء، يترك الدولة بلا هوية، لأنه لم يحدد طبيعة نظام الحكم. ليس فيه ما يشير الى انه نظام رئاسي او برلماني. صاح الفقيه الذي كاد ان يفقد اعصابه بالكامل: يا ناس انتو بتصوتوا على حاجة ومش عارفين هيّه راجل ولاّ ست؟ ذكرني بحكاية اولئك الذين لا يميزون بين الناقة والبعير.
حاول "اخواني" ان "يلفلف" الشغلة بحجة ان الدستور مكتوب على غلافه "دستور جمهورية مصر العربية"، وهذا برأيه يوفي ويكفي. رد الفقيه عليه بان العنوان، يا روح امك، لا علاقة له بطبيعة نظام الحكم. وبينما كان الفقيه حائرا كيف يتفاهم معه، ظل الاخواني يلف ويدور بطريقة ذكرتني بحكاية من صنف "أتتركون حمير الله وتركبون الشمندفر؟"، لكنها ليست هي:
يروى ان رجل دين متعلم عاش في قرية نذر نفسه لتعليم أهلها القراءة والكتابة. وذات يوم دخل القرية ذاتها معمم أمي عاب على اهلها ان يثقوا برجل الدين الآخر متهما اياه بالجهل. صدّقه اهل القرية وتحولوا للدراسة عنده. سلّم رجل الدين المتعلم امره لله وتفرغ للقراءة والعبادة. ضاقت به الحال يوما فلامته زوجته وحرضته على ان لا يستسلم. قاوم رغبتها لكنه في النهاية اقتنع فذهب للفلاحين المجتمعين للدراسة عند المعمم الامي وقال لهم: ان هذا الذي امامكم يضحك عليكم فهو نفسه لا يقرأ ولا يكتب فكيف يعلمكم القراءة والكتابة؟ رد الامي: خوش تعال وخلي الوادم تمتحنه ونشوف ياهو الجذاب؟ وافق المتعلم وصار الاختبار ان يكتب كل منهما كلمة "حيّة". كتبها المتعلم على السبورة وجلس. نهض الامي فرسم "حية"، وصاح: خلوا الله بين عيونكم وكولو يا هي الحية؟ صاح الجميع: اللي كتبتها انت يا ملا. سكت الأمي وهجم الفلاحون على رجل الدين المتعلم وأمهلوه سواد تلك الليلة ليغادر بعدها قريتهم مطرودا والى الابد.
عاد الى زوجته مهموما وحملها المسؤولية عما حل به. قالت له امرأته صبرا ساذهب واعود لك بسرعة. ذهبت الى حيث يجلس الامي فوجدت الفلاحين ما زالوا عنده. صاحت: ملا رحمة الوالديك عندي شغلة يمك. اذن لها فاقتربت منه وهلست شعرة من لحيته. صرخ الملا من الالم ونهض الناس صوبها لابعادها. سألها كبيرهم: ليش هيج سويتي بالمومن؟ قالت له انها حلمت البارحة بفارس يرتدي عمامة خضراء ويمتطي حصانا ابيض اخبرها بان من يهلس شعرة من لحية الملا سيدخل الجنة. سمعها الناس فهبوا هبة رجل واحد صوب لحية الأمي فنتفوها نتفا. لم يبق امام منتوف اللحية غير ان يلعن اهل القرية ويومه الاسود ويهرب من القرية الى الابد.
رباط السالفة أن ملتحيا خرج على الناس امس هاتفا: ان من يقل "نعم" سيدخل الجنة، ومن يقل "لا"، سيصلى في غد سقرا.