أشعر بالحرج عندما أكتب في الوعي والمعرفة بينما ينشغل زملائي من كتاب الأعمدة بالشأن السياسي المحترق. أقصد ينشغلون بنقد وتحليل تصريحات ببغاوات السياسة العراقيين ممن يتراشقون فيما بينهم بقذائف بعيدة المدى، لا هدف من ورائها سوى إلهاء هذا الشعب المسكين عن مساءلتهم ومحاسبتهم. ويأتي ابتعادي عن الشأن السياسي لكثرة الأعمدة المهمة المخصصة له، هنا في جريدة المدى وفي بقية الصحف العراقية. الأمر الذي لا يدع مجالاً للمزيد. لكن مع ذلك يبقى الموضوع محرجاً بالنسبة لي، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن تنفجر فيه مجموعة من التصريحات المتشنجة والكريهة، تصريحات لا تكشف إلا عن دونية لا مثيل لها باتت تمتلئ بها دواخل بعض سياسيينا، دونية ابتعدت بهم عن الانهماك بشؤون مواطن أكلته الحروب والحصارات إلى الانهماك بزعيق ممل لا يهدف إلا للتغطية على فشل وفساد مريعين.
بين الاطراف المتصارعة في المركز والاقليم هناك مشاكل عامة واخرى شخصية عالقة، هناك حساب يراد تصفيته وصراع من أجل البقاء في السلطة تراد ادامته. وفي النهاية هناك حرب يراد أن نكون وقودها. بالضبط كما فعل صدام؛ إذ الحال لم يتغير أبداً.. فالعنتريات الفارغة هي هي، وافتعال الأزمات هو هو، والشعارات لم تزل باهتة وباردة ولا تستهوي غير السذج.. لذلك أريد أن أقول لهذه الاطراف:
يا سادتي الأفاضل، لم يعد لدينا المزيد من السنين لنبعثرها في ساحات حروب مجنونة. لم يعد لدينا المزيد من المطاولة صدقوني. نحن شعب منهك، وفقير، وعارٍ، وموجوع، وأميّ. بلادنا محطمة ومستقبلنا مجهول، ونعيش وسط اقليم يوشك أن ينفجر. فمن غير المعقول أن تتركوا مسؤولياتكم الملحة وتنشغلوا بتبادل المهاترات فيما بينكم!! كفوا عن التلويح بمشاعلكم فبيوتنا من قش ونحن قوم مساكين. كفوا عن هذا الضجيج رجاء أو ارحلوا عنّا. غادرونا غير مأسوف عليكم. اخرجوا من هذا البلد لا بارك الله فيكم ولا عليكم ولا رضي عنكم ولا ارضاكم. ماذا كسبنا منذ هبطتم علينا من سماء امريكا وإلى الآن؟ ماذا فعلتم لهذا البلد؟ دستورنا أعمى، وقوانيننا مشلولة واقتصادنا اعرج..
ماذا دهاكم؟! ما الذي أصابكم؟! كنتم فتية هذا البلد.. قاتلتم وناضلتم وتشردتم، لا يمكن لأحد أن ينكر تضحياتكم السابقة، كنتم شجعاناً وأنتم في المعارضة، فلماذا هزمتكم السلطة؟ لماذا حولتكم إلى وحوش بعد أن كنتم آدميين؟ طيب.. إذا كان هذا الكلام لا يهمكم فاسمعوا مني هذا السر: صحيح أنكم يا سادتي تحكمون شعباً نائماً ولا يحسن حماية مصالحة، ولذلك فهو لا يشعر بالاستفزاز رغم فسادكم وفشلكم، ما يجعلكم سادرين بغيكم، لكن تذكروا فقط أنه شعب هيجاني، شعب إذا هاج هياجه فلن يتقن شيئاً أكثر من سحل جثث ظالميه وتقطيع أجسادهم.. تذكروا هذه الحقيقة، تذكروها لمصلحتكم فقط.
مشاعلكم مجنونة وبيوتنا من قش
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2012: 08:00 م