TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > متى تتوقف شكوك مسعود بارزاني وريبته من المركز ..؟خطيئة استمراء المحاصصة الطائفية كصيغة دائمة للحكم

متى تتوقف شكوك مسعود بارزاني وريبته من المركز ..؟خطيئة استمراء المحاصصة الطائفية كصيغة دائمة للحكم

نشر في: 17 ديسمبر, 2012: 02:41 م

فخري كريم

(٢)

إن العودة الى بواكير الحركة القومية الكردية وانتفاضاتها، واسترجاع برامجها وشعاراتها وتحالفاتها،يبين بوضوح العلاقة الجدلية التي كانت تربطها بالحركة الوطنية والديمقراطية وقواها،

ووشائج العمل التي كانت في أساس انتصاراتهما التاريخية. ويكفي الاستدلال على "الجوهر الديمقراطي" للشعار الاستراتيجي الذي تبنته الحركة وظلت متمسكة به في مختلف مراحل نضالها السلمي والمسلح، وأغنت مضامينها مع كل تطور في مساراتها وكرسته  كجزء عضوي في نهجها وتكتيكاتها. ومن تعقب تطور شعارها، بدءاً من ربط الحقوق القومية وحق تقرير المصير للشعب الكردي بالديمقراطية للعراق، مروراً بـ "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" وانتهاءً بشعار الإقليم الحالي "الديمقراطية للعراق والفيدرالية لكردستان"، يتبين مدى عمق وتجذر العلاقة العضوية المصيرية بين رافدي الحركة الديمقراطية في العراق، الحركة القومية في كردستان والحركة الديمقراطية في العراق. 

ولم يكن هذا الشعار مجرد اطارٍ شكلي للحركة الكردية منذ انبعاثها، بل كان انعكاساً لبرامجها ومؤشراً للتغيرات البنيوية فيها، وتأكيدا لتفاعلها الدائم مع ما كان يجري من حراكٍ وكفاحٍ  وتطور على الساحة النضالية العراقية ككل.

وتدل التجربة العيانية ورصيدها التاريخي، على ان الاخطاء والانتكاسات التي تعرضت لها الحركة القومية الكردية، واصابت فيها مقتلاً، كما هو الحال بالنسبة للحركة الديمقراطية العراقية بقواها الجذرية، ارتبطت بشكل مباشر بافتراقهما وتخلي احدهما عن المسار المشترك، وضعف يقظتهما ازاء الدسائس والكمائن، وربما الاغراءات والاوهام التي حيكت لهما وشتتت قواهما، وغفلتهما عن الابعاد الاستراتيجية لمن كان وراء ايهامهما من حكامٍ وقوى. وقد كان للبعث قصب السبق في الحاق اكبر الاذى بالحركة الديمقراطية ورافديها المترابطين في كردستان والعراق الممتد. وما تزال آثار الخراب الذي اصابهما تلوث المناخ السياسي العراقي.

ان امعان النظر في التبدلات التي شهدتها علاقات القوى  والسياسات التي انتهجتها اطراف العملية السياسية منذ التحول في المشهد العراقي بعد سقوط صنم المستبد السابق بعد احتلال بغداد عام ٢٠٠٣، يرى " بالحس" الوطني بصمات البعث في كل زاوية من  مساحات المشهد الراهن وكل ركنٍ من قوام الدولة المشرعة على  الاستبداد المرائي، حيث يُعاد انتاج قيم التسلط واشكال العزل القومي والطائفي والعرقي، ومفاهيم الانفراد والاقصاء والتسلط ومورّثات النزعات الشوفينية العمياء، وفطريات النفعية وفساد الذمة والضمير والقيم الطفيلية في الاقتصاد والسياسة والثقافة وتداخلها مع عملية اعادة بناء الدولة ومؤسساتها.

ومع عملية التحول هذه، بدأ تشوه آخر سيترك آثاره السلبية على مستقبل العراق الديمقراطي، وسينتهي الى اعادة اغتصاب السلطة السياسية فيه ويدمر بنيان العراق  ويفكك ما تبقى من نسيجه الاجتماعي. وهذا التشوه شرّعته وأرست أسسه، منظومة الحكم الطائفي والمحاصصة التي اعتمدتها في بناء الدولة. واذا كانت ارادة المحتل وراء تكريس السياسة الطائفية وخياراتها، فان ضغط الجوار الطائفي بأبعاده العربية وغير العربية ودعاواه الهادفة  الى مقاومة النزوع نحو الديمقراطية التي تتيح اطلاق ارادة الاكثرية السكانية، وكذلك الفوضى التي خلقها الاحتلال والقرارات التعسفية الكيفية التي اتخذتها ادارته، عوامل موضوعية شكلت بمجموعها حاضنة لسياسة المحاصصة الطائفية التي تتحول اليوم الى اطارٍ محكومٍ بمقوماته في كل جوانب الحكم القائم، تدفع بقوة استمراريتها الى نزوع نحو الدكتاتورية والاستبداد.

لقد انخرطت  القيادة الكردستانية، محكومة بالتوازنات المختلة واكراه المحتل واجندته، في العملية السياسية بمنطلقاتها الطائفية واحكامها، ولم تتحفظ او تتنبه للعواقب التي يمكن ان تترتب على تغير موازين القوى في المشهد السياسي، او الاستدراك من قوة الدفع للمنظومة الطائفية من طابعها الانتقالي المفترض الى طابع الديمومة والتغلغل في بنيان الدولة والمجتمع. بل توهمت حتى آونةٍ اخيرة، كما لو ان ديناميكية هذه المنظومة وتكرسها من شأنه ان يحفظ للكرد والكردستانيين الحقوق الدستورية، مما تركها في حالة خدرٍ عام وتساوقٍ مع ما يفرضه الحراك السياسي اليومي للعملية السياسية التي اصبحت في نهاية المطاف "فخاً" سياسياً، يتطلب التصدي بحزم لنزوعه وتوجهاته "كلفاً سياسية"، تحتاج الى تحريك قوى اوسع، ليست كلها مستعدة للتنصل من التزاماتها الطائفية والسياسية ومنافع حصصها في المنظومة السياسية.

ان الخطأ الذي ارتكبته القيادة الكردستانية في بغداد لا ينعكس في  القبول بالطابع "الانتقالي" و"المؤقت" للمحاصصة التي فرضها الاحتلال، وتحمست لها قوى الاسلام السياسي "كحاضنة" لها، بل في تناغم القيادة الكرستانية مع مقتضيات تكريسها في الحياة السياسية، دون بذل اي جهدٍ للحيلولة دون ذلك، ولم يأت ذلك بمعزلٍ عن حالة الخدر العام الذي شل قدرتها على البحث عن بديلٍ ديمقراطي، وربما الوهم بأن هذا هو السبيل لبلوغ اهدافها "الدستورية" المقررة!

وهذا الخطأ هو ترجمة بـ"لغة" السياسة وتعميق للوهم الذي افترضه أولئك الذين رأوا وبشروا، بعد اللحظات الاولى لسقوط الدكتاتورية، بان مصير كردستان الاتحادي، انما هو قائمٌ بذاته، ومعزولٌ عن مصير بغداد الذي سيشهد المزيد من "العراك " على السلطة وغنائمها! وكان من الممكن ان ينطوي هذا الافتراض ولو على جزءٍ من الحقيقة المشكوك فيها لو ان اصحاب هذا الرأي انطلقوا من خيار التوجه نحو اقامة الدولة الكردية المستقلة.

وتدحرج هذا الخطأ ليجر الى طائفة من الأخطاء الاخرى في سياق عمليات الهدم وصيغ اعادة البناء للجيش والدولة المغتصبة.

والتطورات المتسارعة في الاوضاع الراهنة وتبدلاتها، وانكشاف المستور من خباياها تشكل رداً مريراً  ودرساً بليغاً، ولكن اي درسٍ واية خيارات!؟ 

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. اراموف

    تحليل دقيق ولكن الا تعتقد ان عدم ترسيخ القيم الديمقراطية في كردستان وترسيخ سياسة التوافق بين الحزبين الحاكمين على حساب الديمقراطية وحقوق الانسان وتهميش المعارضة ادى الى الاعتماد على الكمية وليس النوعية او اعتماد الولاء الحزبي والعشائري في اختيار المسؤولي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram