أبكر من المعتاد صحوتُ صباح أمس .. دهمني طيف صديقي وزميلي الصحفي الشهيد اسماعيل خليل. من المعتاد أن اتذكر اسماعيل حتى بعد مرور ثلاثين سنة على رحيله التراجيدي، فهو كان عزيزاً عليّ، جمعتني به علاقة زمالة وصداقة متينة، شخصية وعائلية، لنحو ثماني سنوات.
اسماعيل خليل كان غايةً في دماثة الخلق وطيبة القلب وحلاوة المعشر.. كان مسالماً وكتوما ومحباً لعائلته، وبخاصة زوجته هيفاء وابنتيه هند وزينة.
افترقنا، اسماعيل وأنا ، في نيسان 1979، بعد اغلاق صحيفة "طريق الشعب" التي كنا نعمل فيها منذ بدء صدورها العلني في 1973. اختفيت أنا ثم وجدت طريقي الى سوريا فلبنان مُهرّباً في سيارات أو مشياً على القدمين في العام 1980. وبعد سنة أو أكثر جاءنا النبأ الأليم باستشهاده معدوماً في أحد معتقلات النظام البائد.
هو لم يُعدم لأنه كتب مقالاً ضد ذلك النظام ورئيسه، ولم يعدم لأنه زوّر وثائق لصالح شيوعيين لمساعدتهم في الفرار من البلاد في نهاية السبعينات واوائل الثمانينات كما فعل زميلنا وصديقنا الشهيد سامي العتابي مثلاً. واسماعيل لم يُعدم لأن علاقة كانت له مثلاً بشبكة تجسس أو محاولة انقلابية.
لم يكن اسماعيل قيادياً في الحزب الشيوعي، وكل "جريمته"، إذا كان قد أُعدم عن جريمة، انه كان ابن أخت أحد قادة الحزب، هو الشخصية الشيوعية المعروفة الراحل عامر عبدالله الذي استقال من منصبه الوزاري احتجاجاً على اضطهاد حزبه، وهاجر الى المنفى. وقد أعدم اسماعيل نكاية بخاله.
فجر أمس دهمني طيف اسماعيل .. كانت ابتسامته العريضة الجميلة تسبقه .. تساءلت مع نفسي: بماذا أفاد صدام حسين إعدام اسماعيل؟ بماذا أفاد صدام اعدام المئات وربما الالاف من أمثال اسماعيل ؟ .. وفكرت مع نفسي أيضاً: ربما، بل من المؤكد، ان صدام ما كان سينتهي الى ما انتهى اليه من سوء المآل، وما كان العراق سينتهي الى ما انتهى اليه الان من سوء الحال لو لم يعدم اسماعيل وأمثاله ويلاحقهم.
قبل أن أترك فراشي في ذلك الوقت المبكر سحبت مجموعة قصصية بدأت بقراءتها في الايام الأخيرة، هي مجموعة "فقدانات" للكاتبة إرادة الجبوري، وقرأت قصة "مشهد من تلة" التي تحكي عن كائنين بشريين أجتمعا على تلة تشرف على مدينة ومقبرتها. امرأة فقدت طفلها في هجمة صاروخ، وأسير حرب يعود ليجد انه قد "استشهد" ودُفن.
ما أفادت صدام حروبه؟ ما أفادت العراق حروب صدام؟ تساءلت مع نفسي وانا انتهي من القصة واستعيد طيف اسماعيل خليل الذي دهمني منذ ساعة واردد في سري الاسئلة ذاتها، واسئلة جديدة: ما ستفيدنا هذه النزعة الاستبدادية لحكومتنا؟ وما سيفيدنا تجييش الجيوش وقرع طبول الحرب من جديد وتأزيم الوضع السياسي والامني؟.. ماذا غير خراب يفاقم الخراب الراهن؟