في زمن جريدة بابل الصادرة بموجب "تفويض من الشعب" ونفوذ رئيس تحريرها بعد ان اصبح نقيبا للصحفيين ومشرفا مباشرا على ما كان يعرف بالتجمع الثقافي ، كانت تصدر اوامر بملاحقة مطربين ، شارك تلفزيون الشباب وقتذاك في تحقيق شهرتهم ، لغرض استدعاهم لمقر "الاولمبية " واخضاعهم لاجراءات تحقيقية على تهم لم يرتكبوها ، وتنتهي الجلسات بتجديد الولاء والاستعداد لتقديم اغنيات جديدة تعبر عن التفاف الجماهير حول القائد .
احد العاملين في جريدة بابل يحتفظ بوثيقة تبين ان الجهة المكلفة بملاحقة المطربين فشلت في القبض عليهم ، ولم تجد سوى مطرب يلقب بالعيساوي وقع في قبضتها ، في حين فر الاخرون الى جهة مجهولة ، ويبين التقرير المرفوع الى الجهة صاحبة الامر ان العمل يجري لملاحقتهم .
الشخص المحتفظ بالوثيقة وهو احد المشاركين بعملية ملاحقة المطربين يصف العملية بانها تندرج ضمن رغبة المسؤول الاكبر في خوض مزاح من النوع الثقيل مع المطربين لتحقيق غايات في نفسه ، واقامة حفلات غنائية في ساعات متاخرة من الليل، ويوم كان السفر ممنوعا خضع معظم المطربين من "جيل الشباب " لذلك المزاح واكثرهم ذلك المغني الذي يحمل لقب العيساوي .
حملات الملاحقة استمرت لسنوات وفي بعض الاحيان شملت رياضيين ، ولاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم ، وبعضهم انتهى به المطاف معتقلا بمعسكر ضبط في معسكر الرضوانية ، وفي ذلك الوقت لا توجد منظمات مجتمع مدني للدفاع عن حقوق الانسان ، او مراقبة ظروف المعتقلات السرية والعلنية ، وما يصدر في الخارج من تقارير بخصوص هذا الملف ، لا يصل الى الرأي العام العراقي ، لان الاعلام الرسمي يقف ضدها بالمرصاد ، ويعلن بين اونة واخرى ان اعداد المعتقلين قليلة واغلبهم متهم بالتجسس او التورط بجرائم تهديد امن البلاد .
"فروها على العيساوي " عبارة طالما رددها المطربون الذين سمحت لهم الظروف الشخصية او الموضوعية من التخلص من حملة الملاحقة شبه الاسبوعية ، وحينما يزداد الخناق عليهم ويصبحون ضمن اهداف "الصولة الاولمبية " يتوجهون الى مبنى تلفزيون الشباب لتسجيل اغنيات وطنية على حسابهم الخاص ، ويحاولون بشتى الوسائل اقناع المسؤول على بث "منجزهم الابداعي" باسرع وقت ممكن ، ليثبتوا وجودهم في الساحة "الغنائية الوطنية " ووقوفهم خلف القائد لدحر الحصار وتحقيق النصر الناجز بسلاح الاغنية .
صفحة "فروها على العيساوي" انطوت الى الابد واصحاب هذا القول من المطربين فضلوا الاقامة في عواصم عربية واخرى خليجية ، لان خدماتهم هناك مطلوبة بعد انحسار نشاطهم في العراق لاسباب معروفة ، وليس فيهم اليوم من يجازف ، ويقرر العودة ويقدم نشاطه محليا ، لاعتقاده بان المزاج العام والتوجه الرسمي يطلب نوعا من الاناشيد لاعلاقة لها بالغناء والموسيقى والطرب ، ودليلهم في ذلك انقراض فرق الخشابة في البصرة ، وهم يخشون ان تصدر بحقهم مذكرات اعتقال او ملاحقة بتهمة الاساءة لمنظومة المجتمع الاخلاقية والقيمية ، وليس هناك امكانية لتحقيق مقولة "فروها على العيساوي " .