العملة الصعبة بمعنى الدولار مصطلح يتداول اليوم في الأوساط السياسية والنيابية كافة وحتى الاقتصادية ،وهي كلمة أطلقت على الدولار أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعد ذلك لوجود العراق في الكتلة الإسترلينية مما جعل الحصول على الدولار مقروناً بما تخصصه تلك الكتلة من الدولار للعراق.
أما الآن وبعد انفتاح أسواق العملة العالمية وحرية تداول العملات المختلفة لم يعد لهذا المسمى من معنى ،فبالإمكان تحويل الإسترليني إلى دولار بأي مبلغ كان، وكذلك الحال مع اليورو وباقي العملات وذلك خلال دقائق.
إن هذه العملات الثلاث تمثل العملات الرئيسية في العالم للتداول يضاف إليها الين الياباني واليوان الصيني، وهذه العملات جميعا يمكن الحصول على أي منها في السوق العالمية وبأية كمية، ومن هذا يتضح أن وصف الدولار بالعملة الصعبة إما أن يدل على عدم العلم بوضع الأسواق العالمية للعملة التي أصبح فيها تبادل العملات من العمليات العادية اليومية الميسرة، وإما أن يدل على غرض في نفس القائل يحاول تحقيقه جراء إسباغ هذه الصفة على الدولار ووصفه بالعملة الصعبة.
أما بالنسبة للعراق على وجه الخصوص فالعملية أبسط من ذلك ،إذ أن مبيعات البترول تمثل الجزء الأكبر جداً من دخل العراق وهو بكامله بالدولار.
إن بدل مبيعات البترول يودع في حساب الحكومة العراقية الـ (DFI) وفي مقابل ذلك وبقدر ما يستلمه البنك المركزي العراقي يقوم بتوفير ما تحتاجه وزارة المالية من الدينار العراقي من ذلك الحساب لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين وتسديد استحقاقات المقاولين المحليين وكافة المصاريف الحكومية الأخرى التي تستحق على الحكومة بالدينار، ويقوم البنك المركزي إما بطبع دينار عراقي مقابل الدولار، أو بيع الدولار في السوق المحلية للحصول على الدينار العراقي، هذه عملية ضرورية للدورة الاقتصادية ،إذ أن اللجوء إلى الحل الأول فقط وهو طبع دينار عراقي جديد مقابل الدولار، سيؤدي إلى حصول التضخم ،الأمر الذي يعمل البنك المركزي للحد منه أو تخفيضه ،لاسيما أن بيع الدولار في السوق يمتص الفائض النقدي للدينار المتوفر فيه مما يؤدي إلى تقليص التضخم وبذلك تتم الدورة الاقتصادية للدولار.
أما بالنسبة للتأكد والسيطرة على دخول البضائع المستوردة للعراق مقابل المبالغ التي يبيعها البنك المركزي من الدولار لتمويل الاستيراد فانه لا يدخل في اختصاصات البنك المركزي وليس من واجباته، وهو كذلك ليس من اختصاص المصارف التي تتوسط لشراء الدولار من البنك المركزي لحساب عملائها وإنما هو من اختصاص الدوائر الكمركية التي تشرف على تخليص البضائع المستوردة عبر الحدود العراقية والتأكد من مطابقتها قوائم الاستيراد ومن نوعيتها، وكذلك من اختصاص الدوائر الضريبية.
كما ذكرت في مقالتي السابقة المنشورة في جريدة المدى بتأريخ 20/5/2012 يمكن السيطرة على هذا الموضوع عن طريق حصر الاستيراد أو توجيه أغلبه عن طريق فتح الاعتمادات المستندية المصرفية لحساب المجهزين الموجودين خارج العراق، وهذا يؤدي إلى تسلم المصرف الذي قام بفتح الاعتماد اللمستورد العراقي لمستندات الشحن التي تبين أن البضاعة ستصل العراق على الباخرة الفلانية أو عن طريق البر من قبل الشركة الناقلة الفلانية وعلى المستورد تسديد مبالغ الاعتماد المستحقة عليه للمصرف لقاء تسليم مستندات الشحن لإخراج البضائع من النقاط الكمركية الحدودية كالبصرة إذا كان الشحن قد تم عن طريق البحر والنقاط الحدودية البرية مع دول الجوار إذا كان الشحن قد تم عن الطريق البري أو الجوي ،وهنا يأتي دور الكمارك في التدقيق وصحة مطابقة الشحنة المستوردة للقوائم الأصلية.
إن المصرف الذي يقوم بفتح الاعتماد المستندي يشتري العملة الأجنبية بما يقابل قيمة البضاعة المستوردة بالدولار الأمريكي من البنك المركزي ويحوله إلى مراسله في الخارج لتغطية قيمة تلك البضاعة ويقوم المستورد بدفع ما يعادل ذلك المبلغ بالدينار العراقي حسب السعر الذي يحدده البنك المركزي للدولار ،وبهذه العملية البسيطة يمكن السيطرة على الدورة الاقتصادية للدولار وغيره من العملات الأجنبية وكذلك تجنب سوء الاستعمال الذي ربما يكون قد صاحب العملية في السابق.
ولقد سار البنك المركزي العراقي في الاتجاه الصحيح عندما أعلن المحافظ بالوكالة عن أن الاستيراد سيتم عن طريق فتح الاعتمادات المستندية المصرفية في المستقبل كما جاء في توجيهاته أثناء اجتماعه بمراقبي الامتثال في المصارف بتاريخ 5/11/2012.
إن ما نأمله هو أن يوفق البنك المركزي وينجح في خطته المعلنة لترشيد عمليات الاستيراد وتوفير قيمة تلك العمليات الأصولية من العملة الأجنبية اللازمة، وأن تقوم الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة بواجباتها واختصاصاتها حسب القوانين النافذة.
رئيس مجلس إدارة مصرف المنصور للاستثمار