لماذا يعتبر البعضُ مَنْ يكتب آراءه في الفكر والشعر والتشكيل "ناقداً"؟ ولا يعتبرون من يفعل الشيء نفسه ناقداً إنما يسمّونه بممارسة إبداعية معينة ثابتة. لا يسمّي أحد- على حد علمي -أدونيس ناقداً رغم أن شهرته تقوم في المقام الأول، في ظني، على عمله النقديّ والتحليليّ منذ كتابه "الثابت والمتحول" ثم أفكاره المثيرة للجدل، أكثر مما تقوم على أي نص شعريّ كتبه على أهميته. ومثله فوزي كريم التي تتجاوز أعماله "النقدية" عددياً مجاميعه الشعرية. ثمة آخرون: أنسي الحاج الذي بلغت أعماله المتضمنة "آراءه" بضعة مجلدات، وبوول شاوول المهموم بالنقد المسرحيّ بشكل يجاوز أهميته شاعراً، وعبد الرحمن طهمازي المثقف الأكاديميّ الصعب حتى على الأكاديميين، وخزعل الماجدي... والقائمة تطول.
الموضوع موصول بشخصي قليلاً، لكنه مطروح هنا فقط بصفته مناسبة لإثارة مشكل موضوعيّ يتعلق بحدود عمل الشاعر ومعارفه من جهة، ومؤهلات الناقد وأدواته المنهجية من جهة أخرى. وهو موضوع ما زلنا نعود إليه لسبب جوهريّ: إن ثقافتنا تبدو وكأنها تطالب الشاعر غالباً بأن يكون "أميا"ً تقريباً، أو هو ناقد ببساطة لأنه يكتب أفكاره بطريقة لا تخرق شروط البحث.
لا يتعلق الأمر فقط بجهل البعض، لسبب من الأسباب، بمجايليهم، خاصة في شروط المنفى العراقي – والعربي - الواسع اليوم الذي يقْصِر مسألة التلقي على شروط ثقافية وجغرافية وعلائقية ضيقة. ولا يرتبط بسوق النشر العربية التي لا تسمح وفق هذه الشروط، بالضبط، بتداول سليم للمعرفة والمطبوعات، كما أنه لا يتعلق بالشائعات الثقافية التي تلعب يقيناً في الثقافة العربية دوراً يتجاوز دور المعرفة الحق والمتابعة. لكنه يتجذر في الأوهام المرتبطة بعملية "الكتابة"، حيث تصير الحدود صارمة ونهائية بين الأنواع الكتابية التي يختار لك البعض منها ما يعرفه عنك في أحسن الأحوال، أو يبعد عنك، في أسوأها، ما يعتبره مُمجَّداً فخماً منها.
وإذا ما فهمنا دوافع الشعراء عن أقرانهم الشعراء (ولدينا أمثلة مربكة)، فلن نفهم بسهولة دوافع غيرهم. ما فتئتُ، بأمل يائس، أعالج هذه المسألة مداورة، وكتبتُ مرات عدة عن (صورة الشاعر في الثقافة العربية) وعن خلل ابتعاده عن حقول المعرفة وعن (التعالق بين الفن التشكيلي والفن الشعري) وغير ذلك الكثير، وأعدتُ ذلك مراراً وتكراراً دون أثر يُذكر، إذ لم يتوقف كثيرون أمامه بالجدية اللازمة، لأتأكد، مثل غيري أن فعل القراءة يصير طائشاً أو سريعاً أو معدوماً أو، في الأقل، ينطلق من مقولة: ماذا ستكتب غير ما نتصوّر عنك؟.
ماذا يمكن أن يفعل شاعر يشتغل أستاذا جامعياً سوى أن يهتم بالشعر بصفته عمله الوجوديّ، وأن يهتم بالرسم والصورة والعمارة وما يتعلق بها من مشكلات جمالية وتاريخية أساسية هي تمظهرات بلاستيكية لمسألة "الشعرية نفسها؟. هل عليه الاعتراف صُراحاً أنه لا يمتلك مؤهلات الناقد ولا أدواته، ضمن الصيغة العربية المشبوهة التي تبعد المرء عن الحقل الوجوديّ الذي اشتغل فيه منذ البدء. لقد اختار لي البعض صفة الناقد، كلما أراد الاستشهاد بكلمة مديح قلتها عنه من أجل رفع شأنه هو شاعراً.
هنا مشكلة موضوعية يمكن تعميمها، رغم أنها تُوحي أنها مشتبكة بموضوع شخصيّ، وهي باختصار: إن عدة الشاعر المعاصر ليست سوى حقيبة معرفية ضخمة تتضمّن معارف عصرنا، وتذهب أبعد من التخصّص الضيق الذي يصير نوعاً من الوهم في حالة (الشاعر المُلهَم) في ثقافتنا. عدة الناقد العربي ومؤهلاته تنقص هذا الشاعر في هده الحالة، لأنها من دون دفق ولا شوق ولا اندفاع أخلاقي أو وجودي أو طفوليّ، ولأنها مترسّخة في العقل السببيّ البارد وحده والروح البراغماتيكي والمنهجية الثابتة مهما اختلف موضوعها. عدة تقع في الصرامة والكآبة والإيمان، بينما نحن نسعى، كما آمل، إلى الانفتاح والمرح والشك الوجوديّ.
جميع التعليقات 4
علي الفواز
اظن ان هذا الامر بات خارج التوصيف، بما فيه توصيف المسمى الذي يضع الناقد في سياق والشاعر في سياق، اذ تحولت المنطقة المعرفية الى منطقة اشتغالات مفتوحة يلتقي فيها الشعري مع الجمالي والمعرفي والبلاغي في لعبة اشتباكات حرة انعكست شئنا ام ابينا على احكام النقد،
الشاعرة هدلا القصار
الشاعر المبدع شاكر العيبي تحية الشعر والرؤية الصادقة احب ان اهنشك على هذا الصادق مما زاد من احترامنا لكلماتك واتجاه رؤيتك بالنسبة للنقد او ما شابه يكفي ايها الزميل ان يجد الشاعر رؤية افضل من رؤية الناقد المتخصص والذي قد لا يستوقفه ما يستوقف الشاعر نفسه ول
علي الفواز
اظن ان هذا الامر بات خارج التوصيف، بما فيه توصيف المسمى الذي يضع الناقد في سياق والشاعر في سياق، اذ تحولت المنطقة المعرفية الى منطقة اشتغالات مفتوحة يلتقي فيها الشعري مع الجمالي والمعرفي والبلاغي في لعبة اشتباكات حرة انعكست شئنا ام ابينا على احكام النقد،
الشاعرة هدلا القصار
الشاعر المبدع شاكر العيبي تحية الشعر والرؤية الصادقة احب ان اهنشك على هذا الصادق مما زاد من احترامنا لكلماتك واتجاه رؤيتك بالنسبة للنقد او ما شابه يكفي ايها الزميل ان يجد الشاعر رؤية افضل من رؤية الناقد المتخصص والذي قد لا يستوقفه ما يستوقف الشاعر نفسه ول