اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما يا عراق: الفتاوى الدرامية

سلاما يا عراق: الفتاوى الدرامية

نشر في: 15 أغسطس, 2011: 09:20 م

 هاشم العقابيانتهيت أمس عند خطر إخضاع الفن للمرجعيات الدينية واخذ مباركتها أو موافقتها في إنتاج أعمال درامية. ولا ادري ما هي علاقة فقهاء الدين ولا درجة فهمهم بالفن والدراما والعمل والإبداع؟ الفقهاء متخصصون بالعبادات وتوضيح طرق غسل الجنابة وكيف تتعامل المرأة الحائض مع صلاتها أو صيامها وعدتها بعد الطلاق أو وفاة زوجها. إلى غيرها من امور عبادية قد يصعب على المسلم العادي فهمها كتحديد ما يجب عليه دفعه من خمس وزكاة.. الخ.
احد أعذار المدافعين عن إخضاع الفن لسلطة الدين هو كسب رضا المسلمين بكل طوائفهم. ولكن المسلمين المنقسمين إلى فرق ومذاهب شتى، تجدهم، حتى التابعين لمذهب واحد، لا يقتنع احدهم إلا بالفقيه الذي يعجبه. لذا فان إدراج عدد من أسماء فقهاء أجازوا عمل مسلسل "الحسن والحسين" لا يرضي عشر المسلمين إن لم يكن اقل من ذلك بكثير. فالقرضاوي كفقيه سني، لا يتبع رأيه كل السنة. ثم انه اسم يثر حفيظة العراقيين الشيعة ونفورهم لأسباب معروفة. وكذلك السيد فضل الله، الذي هو الآخر ليس مقلدا من الكثير من الشيعة، قد لا يعني وجود اسمه شيئا في السعودية وما حولها من بلدان خليجية الذين فيهم الكثير ممن يشك حتى بقبول صلاته وليس بقبول فتواه. لذا، فمن يريد حقا أن يقنع الغالبية العظمى من المسلمين بحيادية المسلسل، سيحتاج إلى قائمة بأسماء فقهاء يصل عددهم المئات إن لم يتجاوز الآلاف. عمل فني يواجه هكذا شروطا تعجيزية ومعقدة منذ لحظة التفكير به لا يستحق صرف دولار واحد لأنه عديم الجدوى فنيا وتاريخيا. وما الإصرار على صرف الملايين الطويلة لتنفيذه إلا حماقة لا يقدم عليها إلا من يضمر أهدافا سياسية لا علاقة لها بالله ولا تقصد غير استفزاز عباده، وهذا ما حصل بالفعل.قد يعترض علي معترض بأن هناك أعمالا سينمائية ودرامية خالدة اعتمدت على أحداث تاريخية إسلامية وغير إسلامية. وأنا أقر بذلك. لكن تلك الأعمال الإبداعية والعظيمة اعتمدت على خبراء بالتاريخ وليس بالدين. واستعانت بمؤسسات علمية كالجامعات ومراكز البحوث التاريخية وليس بالمساجد أو الكنائس. فالتاريخ علم وليس اجتهادا. وكان الاعتماد على المؤرخين لا من اجل اخذ موافقتهم، بل من اجل التأكد من صحة بعض المعلومات التاريخية.فان قيل بان إرضاء الناس غاية لا تدرك، فان إرضاء الشيوخ والفقهاء عن طريق وضع الفن تحت سيطرتهم أو بخدمتهم، لا يحوله إلى أداة للتجهيل، حسب، بل قد يحوله إلى أداة جديدة لصنع الطغاة من جديد. وهذا قد يعيد الشعوب العربية إلى سباتها التي ما كدنا نصدق أنها تخلصت منه بعد أن نهضت بوجه من ظلمها وجثم على صدرها عشرات القرون. شعب بدأ توا ينهض من اجل مستقبل أفضل، ويأتيه مسلسل يريد أي يلوي رقبته نحو ماض اظلم. أن أسوأ نتيجة سببها مسلسل "الحسن والحسين" لنا نحن العراقيين، هي انه منح فرصة لمجلس نوابنا الذي فشل في تحقيق ابسط متطلبات العيش الكريم لشعبنا، ليظهر وكأنه أكثر برلمانات العالم حرصا على احترام مشاعر شعبه والاهتمام بوحدته حين صوت بالإجماع على منع عرض المسلسل. اجزم بان 90 بالمئة من أعضاء البرلمان إن لم اقل أكثر، لا يعرفون معنى الدراما ولا أهمية الفن. والله وحده يعلم كم منهم لم يقرأ كتابا أو رواية بحياته السياسية وقبل السياسية. والدليل أنهم لو كانوا قد فعلوا لاستحوا أن يبقوا في مناصبهم يتحكمون بشعب يطبخه الحر ويرعبه فقدان الأمن. وتدمر البطالة مستقبل خيرة شبابه وشاباته. وتمتلئ الطرقات بايتامه وارامله الباحثين عن لقمة عيش. فهل من لم تهتز غيرته أو يؤنبه ضميره وهو يرى المظلومين يجلدون بساحة التحرير ويزج بهم بالسجون، نصدق انه فعلا صوت لقرار منع المسلسل غيرة منه على شعبه؟ علينا؟ربما هناك عثرة تمر بسلام، إلا عثرة الفن فلا تجلب غير الخراب. وأي خراب أكثر من فتح باب الإبداع أمام السياسيين والظلاميين ليدلوا بدلوهم. صدق من قال: "رزق البزازين على المعثرات".كنت أتوقع أن ينهض الفن مثلما نهضت الشعوب العربية ليصبح سلطة خامسة بوجه أعداء الحرية والمحبة والسلام. لكنه في مسلسل "الحسن والحسين" انتكس ليخضع نفسه لسلطة الدين والسياسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram