اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: هزيمة الشعر العراقي

تلويحة المدى: هزيمة الشعر العراقي

نشر في: 19 أغسطس, 2011: 05:51 م

 شاكر لعيبي(1)بعد أكثر من ثلاثين عاماً من التغيّرات البنيوية في الثقافة العراقية، لا أحد يودّ الاعتراف صراحة. بالأعطاب التي أصابتها على كل صعيد، خاصةً المستوى الذي يهمُّ هذه الكلمة: الشعري.بدءاً ثمة تزوير في كتابة تاريخ الشعرية العراقية طيلة ثلاثين سنة. فقد أفاد نقادٌ وشعراء “ملتبسون” من مؤسسات الدولة العراقية السابقة، في توطين أنفسهم ونفي سواهم من الشعراء، خاصةً المهاجرين قسراً من البلاد، بل وكتابة تاريخ الشعر العراقي وفق شروط صالحة للنقاش الحكيم والاعتراض. وعلى سبيل المثال فإن جميع السجالات في داخل البلاد بشأن دعاوى أوائل من كتب قصيدة النثر، منذ السبعينيات، تنطوي على خلل تاريخي لأنها لا تحاوِر إلا نفسها ولا تُعلي إلا من شأن شعرائها حصرياً.
صار الالتباس الأخلاقي والنفي النقديّ قاعدة في الكتابة من حينها إلى درجة إننا نسمع اليوم من بعضهم “إعادةَ كتابةٍ” لتاريخهم الشعري والسياسي لا تبرهن عليها البتة مواقفهم الفعلية من المؤسسة الثقافية السلطوية الآفلة التي منحتهم المجد كله، نشراً وحضوراً طاغياً ومراكزَ قوةٍ ومواطنَ عملٍ في أهمّ وزاراتها وكبريات صحفها. فالمقابلة التي أجرتها “الأسبوعية” بتاريخ 14/08/2011 مع الشاعر السبعيني المشهور الذي يعترف، متأخراً ربع قرن، أن "الشعر العراقي [الآن] يتنفس بصعوبة في داخل العراق، في حين أنه أكثر حرية ونضجًا في خارجه" يعترف بما كان يتوجب قوله في وقت أبعد من اللحظة القلقة الحالية، لكنه يذكره اليوم عندما صار هو شخصياً خارج البلاد، وهو يبرهن على قدرة عالية في استخدام مُتذاكٍ للكلام، أكثر تذاكياً منه قوله: "لم نكتب في زمن الدكتاتورية كل ما نريد، لكننا كتبنا ما استطعناه، وكان له أهمية كبيرة لأنه كان يتضمّن حسرتنا في كتابة أكثر حرية، كان محتشدًا برغبات مكتومة، وكنا نتفنن في إخفاء احتجاجاتنا ضد هذا النظام، وكان لذلك طعم خاص ونادر، لا سيما على مستوى الشعر والمسرح". لقد تعاطى الشاعر المذكور ببراعة اللاعبين الكبار مع الدكتاتورية كما يعلم القاصي والداني. وهذا ليس سوى مثال واضح على الالتباس الفكري والروحي الذي يُراد للمثقفين العراقيين القبول به على مضض. لقد أوصلت الدكتاتوريةُ الشعرَ إلى المواقع التي ليست من طبائعه. يمكن اليوم لكل شاعر عراقي، بغياب المعيار النقدي أو الروحي أو بسبب عادات الالتباس والزوغان التي أجبرت الدكتاتوريةُ الجميعَ عليها، أن يروي الحكاية التي ترضي غروره وأن يخترع التاريخ الشعري الذي يلائمه. أول هزائم الشعر العراقي إنه لا يُكتب وفق أعراف الكتابة المنهجية المؤرشفة. ثانيها أن الرواية المشكوك بها فحسب يُراد لها الهيمنة بالأثمان كلها، لأنها تبرّر للبعض هفواتهم الإنسانية وتنقذهم من مساءلةٍ أخلاقيةٍ غير مرغوب بها.  إن كتابة انتقائية، ضبابية، تستجيب للنزوات، وقائمة على الانحراف المتعمّد عن الوقائع الأكيدة، صارت القاعدة العامة بفضل الأبوة الشعرية والريادة الروحية الافتراضية التي يقترحها لنا المثال المذكور أعلاه. إذ عندما تنفضّ مائدة الدكتاتورية التي شرب من مائها من شرب، ثم أنكر ببراءةٍ وبراعةٍ بعد ذلك، فللجميع الحق بكتابةٍ جدّ خاصةٍ لتاريخ الشعر العراقي، وتقديم مقترحات أكثر خصوصية عن مفاصله الكبرى. ألا ترى نشاط الشعراء المهاجرين الجدد إلى مصر مثلاً، ومسعاهم لتقديم الشعر العراقي إلى الجمهور المصري، على أساس يثير الكثير من الحيرة، لأنه يقوم في الحقيقة على رواية مخصوصةٍ أخرى من دون عين نقدية رحيمة. مسعاهم هزيمة أخلاقية أخرى للشعر العراقي، لا يختلف عن المسعى التدليسي الذي وقع تعلّمه وتعاطيه في البلاد منذ حين، وصار القاعدة الذهبية التي ننتظر تحليلاً يقول كلمة منصفة بشأنها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram