TOP

جريدة المدى > سياسية > هل العراق وكيل لإيران؟

هل العراق وكيل لإيران؟

نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 07:17 م

 ترجمة المدى

خلال الاسابيع الاخيرة، سلطت وسائل الاعلام الاميركية الضوء على علاقات العراق مع جمهورية ايران الاسلامية – تحديدا مساعدة العراق لايران في تخطي العقوبات الدولية المفروضة عليها و تمكينها من دعم النظام السوري. هذا يقود الى اسئلة غير مريحة حول ما اذا كان العراق الجديد حليفا للولايات المتحدة ، كما تزعم ادارة الرئيس اوباما، ام انه دولة عميلة لإيران كما يخشى الكثير من جيرانه. في الحقيقة ان الولاءات السياسية لحكومة بغداد ليس من السهل تجاهلها. لغرض فهم سياسة العراق الخارجية من المهم ان نعرف كيف تؤطر البيئة الداخلية و الاقليمية سلوكها. كانت لحرب العراق ثلاث عواقب غير مقصودة في الشرق الاوسط. اولها انها حولت ميزان القوى الاقليمية لصالح ايران بسبب اسقاط نظام صدام المعادي لها و تدمير القوة العسكرية للعراق. اثار نهوض ايران و توسيع نفوذها في البلدان العربية  صراعا من اجل القيادة الاقليمية بين ايران من جهة و الولايات المتحدة و السعودية من جهة اخرى. هذا التنافس يتجسد اليوم في التوترات الفارسية-العربية و الشيعية- السنية في الشرق الاوسط. ثانيا، تسببت حرب العراق في نشوء و تنامي المجاميع الجهادية – المتطرفون من السنّة الذين قاتلوا القوات الاميركية  و حكومة بغداد. هذه المجاميع ترى فرصا جديدة في الربيع العربي لتوسيع قوتها في المنطقة. رغم ان القاعدة في العراق قد ضعفت، الا انها تهدد الانتعاش حيث يدفعها الى ذلك نجاح الجهاديين في سوريا. ففي الثامن و العشرين من ايلول مثلا شنت القاعدة هجوما على سجن تكريت و حررت العشرات من افرادها. كان ذلك جزءا من عملية " كسر الحواجز " لهذه المجموعة  التي شنت موجة من الهجمات في انحاء العراق خلال الاشهر القليلة الماضية. ثالثا، أدت الحرب الى صراع طائفي دموي في العراق، حيث تنافست مختلف المليشيات لملء الفراغ السياسي الذي سببّه اسقاط نظام البعث. لازال العراق ينهض من الحرب الاهلية: معظم المهتمين يشاركون في العملية السياسية و لازالوا يحافظون على قدرتهم القتالية. عدم الثقة و الخوف يمنعان تنفيذ اتفاقات مشاركة السلطة، و لازال منظور العودة الى الحرب الاهلية متربصا. ان هشاشة الدولة العراقية تسبب ضررا لقدرتها على تبني سياسة خارجية متماسكة و متسقة. سياسيو العراق تغلب عليهم الرغبة في حماية و توسيع سلطتهم و مواردهم الخاصة. و لكي يفعلوا ذلك فانهم غالبا ما يبحثون عمن يرعاهم من الخارج. ليس سرا ان العديد من السياسيين في العراق يتسلمون اموالا من دول الجوار بالاضافة الى خزينة الدولة. و ليس من المفاجىء ان هناك قليلا من الرغبة لدى الطيف السياسي في تمرير قانون في البرلمان يكشف تفاصيل تمويل الاحزاب. لكن رغم ان العراقيين ربما يقعون تحت نفوذ "الدول المانحة" فان هذا لا يعني ان هذه الدول تسيطر عليهم.
ليست الرعاية الاجنبية هي الوحيدة التي تشوه السياسة العراقية – فهناك التأثير الضار للطائفية التي صعّدتها حرب العراق. هذه الظاهرة تأتي و تذهب بشكل موجات عبر البلدان – فقد ترددت اصداء الثورة الايرانية عام 1979 في انحاء المنطقة مما خلق توجسا في بلدان اخرى كانت تخشى تأثيرها على سكانها و على الحركات الاسلامية المحلية. اليوم حلت الطائفية محل القضية الفلسطينية كوسيلة معتمدة لدى السياسيين من اجل تحشيد الدعم و تحويل الانظار عن فشلهم، في حين ان العديد من النخب العراقية اصبحت ثرية بفضل ارتفاع الصادرات النفطية بينما لايزال الشعب العراقي يكافح من اجل الخدمات الاساسية مثل الكهرباء. كذلك فان سياسة الهوية تقوّض محاولات العراق لبناء سياسة خارجية متسقة. فمثلا، يصور بعض السياسيين بديل الرئيس بشار الاسد على انه سيكون نظاما سلفيا يدعم تأسيس " جيش عراقي حر " و ثوار ممولين من قطر و العربية السعودية من اجل اسقاط الحكومة العراقية. كما ان بعض السياسيين الكرد يعزفون  على مخاوف من ان المالكي يتحول الى دكتاتور سيستخدم طائرات اف-16 الاميركية ضد الشعب الكردي. في نفس الوقت، يزعم بعض السياسيين ان العراق يتحول الى دولة وكيلة لإيران يقودها رجال الدين. هذه التوترات قادت الى اسئلة عن جدوى الدولة العراقية. بعض المراقبين يصورون العراق على انه دولة " مصطنعة " مكونة من ثلاثة مجتمعات متجانسة و متعادية هي السنة و الشيعة و الكرد، و يزعمون انها كانت مجتمعة فقط  بسبب الدكتاتورية و ان اسقاط صدام قد ادى الى اقتتالها فيما بينها بسبب " احقاد قديمة ". الا ان هذه تعتبر قراءة غير دقيقة للعراق: فرغم ان شعب العراق المتنوع كانت له احيانا متاعب مع حكام البلاد، فان العلاقات بين المجتمعات انفسها كانت سلمية على مدى القرون – اقوى من العلاقات بين البروتستانت و الكاثوليك في اوربا. كما ان العشائر العراقية تضم السنة و الشيعة و الكرد، و الزواج بينهم شائع منذ القدم. ان تفجير الحقد الطائفي هو الذي يعتبر شاذا في البلاد. فخلال الحرب الايرانية-العراقية كان الشيعة يشكلون حوالي 80% من الجنود و 20% من الضباط في الجيش العراقي، و قاتلوا جميعا بولاء للدولة العراقية. العرب من السنة و الشيعة يحملون الجنسية العراقية رغم اختلاف تفسيراتهم لتوجهات السياسة الخارجية، حيث يعتقد السنة ان العراق يجب ان يتحالف مع العالم العربي بينما يعتقد الشيعة ان بعض الدول العربية تشكل تهديدا لهم.
السؤال هو: ما شكل التوازن الذي سيكشفه العراق؟ هل سيعود الى الاستبداد و الى قائد يسحق معارضيه بقوات أمنية  مدربة هذه المرة على يد الاميركان و بتجهيزات اميركية؟ البعض قلق من ذلك. في الشرق الاوسط القديم كانت الدكتاتورية تولّد التطرف، اما اليوم فقد تستخدم النخب الجديدة نفس الاساليب التي استخدمت يوما ما ضدهم من اجل اخماد التهديدات الموجهة لحكمهم. هل ستتوصل النخب العراقية الى اتفاق على اصول اللعبة التي سيعملون بها؟ احد المؤشرات الايجابية لذلك كان الرغبة الاخيرة للاحزاب السياسية من مختلف التحالفات في العمل معا في البرلمان لمنع المالكي من زيادة عدد اعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لأنهم يعتقدون ان ذلك سيكون لصالحه. هل ستأتي الانتخابات القادمة بنخب جديدة تتبع اجندة وطنية توفر للعراقيين نظرة ايجابية للمستقبل؟ كل شيء ممكن في العراق الجديد. كما ان علاقة العراق بالولايات المتحدة تعتمد على اجابات هذه الاسئلة. فبينما يميل الكرد الى دعم الولايات المتحدة، فان العرب يبدون اكثر تناقضا. فالسنة يشعرون بالحرمان في النظام السياسي بعد صدام و يشكون من انهم يتحملون مسؤولية النظام السابق، بينما يبقى الكثير من الشيعة يشككون بنوايا الولايات المتحدة- رغم ان الولايات المتحدة تصور نفسها بانها هي التي اسقطت من كان يعذبهم و جاءت بهم للسلطة. كما انهم يلقون بالمسؤولية على الولايات المتحدة في فرض العقوبات على العراق و التي سببت معاناة كبيرة للشعب العراقي و تركت النظام السابق يحكم قبضته اكثر على المجتمع.
بعض السياسيين العراقيين يرون ان الحرب الطائفية الاقليمية قادمة لا محالة، حيث ستقف الولايات المتحدة الى جانب الدول السنية ضد الشيعة. انهم يخشون من ان تضحي الولايات المتحدة بشيعة العراق في مواجهتها مع ايران – اي انها تخونهم كما فعلت في 1991 عندما دعا جورج بوش الأب العراقيين للانتفاض على صدام و عندما فعلوا ذلك جرى ذبحهم. تواجه الولايات المتحدة الكثير من الاسئلة الملحة التي ستؤثر بعمق على كيفية نظرة الشيعة اليها، فمثلا، هل ان دعم الولايات المتحدة للمعارضة السورية سيجلب حكومة سلفية للسلطة؟ هل ستبقى الولايات المتحدة صامتة بوجه الظلم السعودي و البحريني لمواطنيهما من الشيعة؟ هل ستقصف الولايات المتحدة و اسرائيل البرنامج النووي الايراني؟.
الكثير من العراقيين يخافون على مستقبل بلادهم بسبب المشاكل التي يثيرونها هم بانفسهم بالاضافة الى  تلك القادمة من خارج الحدود. لازال العراق يتصارع مع عجز السياسيين عن تقديم المصالح الوطنية الحقيقية على مصالحهم، و مع عدم كفاءة البيروقراطية، و الصراعات الاقليمية التي تسحب العراقيين باتجاهات مختلفة. اذا ما انقسمت سوريا الى جيوب طائفية، فان اصداء ذلك ستظهر في العراق. الكثير من العراقيين يتوقعون نهاية الدول القومية التي أنشأتها اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916. يجد العراق نفسه يسير على حبل مشدود، و محصور بين الولايات المتحدة و ايران – بالاضافة الى انه يجد نفسه في حرب بالوكالة تدور بين الدول السنية و الشيعية في المنطقة. تحسب الحكومة العراقية بان الولايات المتحدة تحتاجها كحليف من اجل ادامة تدفق النفط و شراء الاسلحة الاميركية. لكن مع انهيار النفوذ الاميركي، فان تركيا و ايران تملآن فراغ السلطة مرة اخرى في المنطقة. لقد سبق للعراقيين ان شاهدوا هذاالفيلم من قبل.
 عن: فورن بوليسي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً
سياسية

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً

بغداد/ تميم الحسن ينتظر الحزبان الكرديان الرئيسان "تفاهمات جديدة" لتشكيل الحكومة في إقليم كردستان، بعد إعلان النتائج الرسمية لانتخابات البرلمان التي جرت امس الاول الأحد.ولا يتوقع ان تتعطل النتائج، ثَمّ انطلاق المفاوضات السياسية، إذ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram