اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: هزيمة الشعر العراقي

تلويحة المدى: هزيمة الشعر العراقي

نشر في: 26 أغسطس, 2011: 06:18 م

 شاكر لعيبي(2)بعد عام 1991، وفي ذروة الحصار على العراق، قرّر النظام السابق أن يفتح كوّة من "حرية الكلام" التي لم تعد ذات خطورة عليه، وسمح بنقد الممارسات الثقافية المحلية وغض الطرف عن نقد مؤسساته وسمح بالحديث عن بعض المثقفين والشعراء المعارضين الممنوعين في البلاد، إلى درجة استحضار اسم مظفر النواب بعد وقت آخر، والسماح بنشر مقابلة في مجلة "الأقلام" تتضمن سعدي يوسف طرفاً، وأعيد التذكير عرضاً ببعض شعراء السبعينيات الملغيين سابقا من قائمة النقد الصحفيّ والجامعيّ (انظر مثلا مقالة فاروق يوسف بهذا الصدد في جريدة الجمهورية حينها)،
وغير ذلك مما يمكن البرهان عليه بالوثائق. لذا فإن المرويات التي يقوم بسردها بعض شعراء تلك الفترة عن مآثر فردية، أقرب إلى التحدّي، لا تستقيم إلا بوضعها في هذا السياق التاريخي الدقيق ولحظة الانفتاح الصغيرة تلك. ومنها الملاحظات المطوَّلة التي ذكرها مؤخراً صديق شاعر "سبعيني"، وهي ترقى إلى عام 92-1993. هنا يصير التعاطي مع أبشع رموز الدكتاتورية، عدي صدام حسين، محض وجهة نظر، ويغدو مروية أخرى من المرويات "العاديّة" التي لا يتوجب الاستغراب منها أو استنكارها. يصير عاديّاً للغاية، ويُراد لنا الحكم بعاديّة اللقاء الطوعي أو الإجباري بين الشاعر والطاغية. إن مرويات كثيرة من هذا القبيل عن الشعر العراقي إبان الثلاثين سنة الماضية تفتقد  حس الإقناع وتنطوي على استبعاد لذكاء القارئ وللوعة اللحظة، وتستند إلى "الضرورة" القاهرة وليس إلى "الحرية": إلى "الجبر" وليس إلى "خيار" المعتزلة. جميع المبررات تصير مشروعة للقاء متوتر، خاسر بين الشعر والقتلة. لا أحد يطالب اليوم أحدا بالبطولة ولا يُخوّن أحداً. نفتش فحسب عن النبل والصدق في المرويات الحالية.لو أننا تناولنا شاعرين معروفين في العمودين السابق والحالي فلأننا نحتفظ بتقديرٍ لهما، ولأنهما يقدِّمان درساً عن هزيمة غير معلنة للشعر العراقي في الشروط الموصوفة. يتقدّم الشعر إذنْ من دون فروسية تليق بتاريخه. كل شيء صالح لتفسير النهج المحفوف بالأشواك والعثرات الذي سلكه داخل البلاد. لم تكن عبارة: "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه" مقنعة أبداً على ما يبدو.في المنافي أيضاً نجد أمثلة من نمط آخر لخسارةٍ شعرية وروحية وأخلاقية مماثلة. سنتوقف أمامها في مناسبة أخرى. يقع الفارق في أن لا أحد خارج البلاد كتب مروية تدليسية عن الشعرية العراقية، ولا استثمر طيلة ثلاثين عاماً منبراً حكومياً لكتابة سرده الشخصي الذي يستثني، بسبب الخوف والمنفعة، شطراً جوهرياً من الشعر العراقي. هذا الفارق من الأهمية بمكان. في عملنا "الشاعر الغريب في المكان الغريب" المكتوب والمنشور قبل سقوط النظام بقليل، لم نقمْ باستثناء أي صوت شعري من الحقبة السبعينية، رغم أننا عبَّرنا بوضوح، نادمين الآن، عن وجهات نظرنا بشأن بعضها.الهزيمة الأخلاقية هي أخطر هزائم الشعر. إنها تشكك، بوسيلة غامضة، بالمعاني التي ينوي أن يبثـــَّها. وفي يقيننا فإن واحداً من تجليات هذه الهزيمة صعود نجم "الشعراء الصعاليك" في الشعر العراقي، واعتبار "الصعلكة" رديفاً خالصاً "للشعرية"، ثم وبالتوازي مع منهجية التدليس التاريخي، القيام باعتبار جميع ممارسات الشعراء الصعاليك الاجتماعية والثقافية، مهما كانت حدة تناقضاتها ودجلها أحياناً وسلاطة لسانها وتعاطيها مع الشيطان نفسه، أمراً "عادياً" آخر، بل مُبرَّراً بالتمام.ألا ترى المديح العالي الحالي لبعض صعاليك الشعر العراقي الذي يعني، من بين ما يعني، القبول الضمني بتهوُّرها وانتهازيتها المستمرة وغض الطرف حتى عن قصائدها في مديح صدام حسين. وإذا ما غفرنا لها نحن اليوم هذا كله فإنها لن تغفر لنا، اليوم وغداً، حتى مجرد التذكير بهزائمها التي هي هزائمنا جميعاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram