TOP

جريدة المدى > سياسية > إعادة بناء نظام الرعاية الصحية في منطقة حرب

إعادة بناء نظام الرعاية الصحية في منطقة حرب

نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 07:25 م

 ترجمة عبدالخالق علي

لم تكن إعادة بناء نظام الرعاية الصحية للعراق تستحوذ على الأولوية لدى المسؤولين الاميركان مثلما استحوذت عليه القطاعات الأخرى،  رغم ان قطاع الرعاية الصحية واجه مشاكل تفوق غيره من القطاعات. اولا، ان المسؤول الذي نسّبه البيت الابيض سياسيا الى وزارة الصحة كان يريد تغيير المنظومة الطبية بالكامل سواء أراد العراقيون ذلك ام لا. تسبب ذلك في ضياع الكثير من الوقت و ادى الى الكثير من النواقص في المستشفيات العراقية. ثانيا، لقد فشل الاميركان في ادارة و تنسيق العمل. اخيرا، لم يتمكن المتعاقدون من بناء كافة المرافق الجديدة التي ارادها المنسّب الاميركي. كانت النتيجة افتقار البلاد الى الرعاية الطبية التي كانت بأمس الحاجة اليها مع بدء اعمال العنف.
اولى المشاكل الكبيرة التي ظهرت كانت الفوضى التي تلت الاجتياح، حيث تعرضت دوائر وزارة الصحة في بغداد الى النهب كحال بقية الدوائر الحكومية الاخرى. يقدّر حجم الاوراق و الاوليات التي دمرت او اخرجت من الوزارة بستة اطنان، حتى بعد ان دخل  الاميركان و حاولوا تجميع دوائر الوزارة فانها تعرضت للحريق اكثر من مرة مما تسبب في المزيد من الاضرار. لذا كان على الولايات المتحدة البدء من جديد مع الوزارة، و اعادة كافة العاملين فيها و استبدال كل تجهيزات المكاتب و قد حصل ذلك عدة مرات بسبب الحرائق . عندما بدأ العمل الفعلي في اعادة بناء النظام الصحي، تولت مسؤولية  ذلك الوكالة الاميركية للتطوير الدولي، حيث اوكلت اليها سلطة الائتلاف المؤقتة مهمة تقديم الخدمات الصحية لكل العراقيين. من مجموع 18.4 مليار دولار المخصصة اعادة اعمار البلاد، فقد خصص مبلغ 786 مليون دولار للصحة، حيث  خصصت سلطة الائتلاف 439 مليون دولار لمئة و خمسين مركزا صحيا جديدا و لترميم 17 مستشفى، و 297 مليون دولار للتجهيزات الطبية و لبرنامج مجموعة نقل الدم و اعادة بناء اكاديمية العلوم الصحية و تدريب الكادر و المساعدة الفنية لوزارة الصحة، و 50 مليون دولار لمستشفيات اطفال جديدة في البصرة. مع كون هذا التخصيص قليلا بالمقارنة مع تخصيصات الكهرباء و الماء فان هذه المبالغ تعتبر كبيرة للنظام الصحي. المشكلة هي ان ما اراده الاميركان للعراق يختلف عما كان العراقيون يريدونه . بدأ ذلك بقرار سياسي من البيت الابيض.
سبّب هافمان صراعا كبيرا مع العراقيين، فقد كان يريد تغيير اعتماد البلاد الكامل على المستشفيات، و بناء مجموعة من العيادات الصغيرة تركز على العناية الوقائية. كان يعتقد ان هذا سيوفر عناية اكبر للعراقيين، كما انه لم يكن يرغب بمجانية الرعاية الصحية في العراق و يريد ان يدفع المواطنون المال مقابل الخدمات المقدمة لهم. اخيرا كان هافمان يدفع باتجاه خصخصة استيراد و توزيع الدواء في البلاد. ادى ذلك الى سلسلة من المعارك البيروقراطية مع وزارة الصحة . بالتالي استمر هافمان بخططه رغم انه لم يقنع العراقيين بوجهة نظره . جاء ذلك في وقت غير مناسب اذ ان الحاجة الى خدمات الطوارئ في المستشفيات قد ازدادت مع بدء العنف  حيث ازداد عدد المصابين نتيجة التفجيرات و اطلاق النار بينما لم تكن المستشفيات تمتلك الكثير من الاموال لأن هافمان كان يريد بناء عيادات جديدة . فشلت محاولة اصلاح طريقة الحصول على الدواء و توزيعه فشلا ذريعا، حيث كان هافمان مسؤولا عن تغيير توزيع الدواء عندما كان يعمل في ميشيغان، كان يريد تقليص التكاليف في الولاية و قرر تحقيق ذلك من خلال تحديد عدد الأدوية التي يصفها الاطباء للمرضى. اراد ان يفعل الشيء ذاته في العراق ، كما اراد ايقاف شراء الادوية من سوريا و ايران و روسيا،  و شراؤها من الولايات المتحدة تحديدا. طلب من واشنطن ان تبدي مساعدتها في ذلك و حصل على فريق من ثلاثة اشخاص من البنتاغون كان واجبهم وضع قائمة جديدة من الادوية خلال اسبوعين لاستخدامها في العراق ثم يعودون بعدها الى اميركا . سرعان ما اكتشف رئيس الفريق ان هذه كانت مهمة سخيفة حيث وجد ان قائمة الادوية التي يستخدمها العراقيون لا بأس بها، و ان مايريده هافمان هو تغيير مؤسساتي كامل في توفير الرعاية الصحية و هو ما لا يستطيع ثلاثة اشخاص القيام به، و ان هافمان لا يعرف ما يقوم به. البعض من كوادر هافمان كانوا يشاركون رأي الفريق و انتقاداته. عند مغادرة هافمان كان العراق يواجه نقصا كبيرا في الدواء، و قالت وزارة الصحة ان 40% من الادوية نفدت في مستشفيات البلاد بسبب محاولات هافمان للاصلاح .
ان محاولة اميركا اعادة بناء نظام الرعاية الصحية في العراق كانت تواجه مشاكل منذ البداية. فوزارة الصحة نفسها قد التهمت بعد الاجتياح الاميركي، ثم قرر البيت الابيض من الذي سيدير الجهود فجاء هافمان و هو عازم على تغيير النظام بكامله مما ادى الى سلسلة من الكوارث. غالبا ما يأتي الاميركان الى البلدان الاخرى و هم يفكرون بتجاربهم الخاصة و ليس كما يريد ابناء البلد او يحتاجونه. لقد صار العراق نموذجا لهذا و كانت النتيجة عددا من المستشفيات، المليئة بالموتى و المصابين من اعمال التمرد و الحرب الاهلية،لا تمتلك التجهيزات المطلوبة. في نفس الوقت، تم افتتاح عدد من العيادات الجديدة بعضها ليس بالامكان استخدامها بسبب هشاشة البناء و لأنها لم تؤسس اصلا للتعامل مع اطلاق النار و التفجيرات . ان العمل الذي قامت به الولايات المتحدة في مجال الرعاية الصحية يبين درجة السوء التي وصلت اليها الامور .
 عن : افكار عن العراق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً
سياسية

«البارتي» يتفوق على أقرب منافسيه «اليكتي» بفارق نحو 400 ألف صوت ويحجز 40 مقعداً

بغداد/ تميم الحسن ينتظر الحزبان الكرديان الرئيسان "تفاهمات جديدة" لتشكيل الحكومة في إقليم كردستان، بعد إعلان النتائج الرسمية لانتخابات البرلمان التي جرت امس الاول الأحد.ولا يتوقع ان تتعطل النتائج، ثَمّ انطلاق المفاوضات السياسية، إذ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram