TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > جغرافية الثقافة ودور المثقف

جغرافية الثقافة ودور المثقف

نشر في: 18 سبتمبر, 2009: 05:05 م

لطيف القصابrnrnلم يتفق الناس حتى هذه اللحظة على تعريف جامع مانع لتحديد معنى المثقف بدليل اننا لو جربنا سؤال عينة عشوائية من المجتمع عن معنى هذه الكلمة لحصلنا على مجموعة توصيفات قد يناقض بعضها البعض الآخر بشكل سافر، ومما يزيد الامر صعوبة انتفاء وجود مرجعية ثقافية عليا واحدة تتكفل بإصدار بيان يضع حدا لهذا الجدل الطويل حول ما تعنيه لفظة المثقف من حيث الاصطلاح، الذي أظهره للوجود في عالمنا العربي الكاتب المصري سلامة موسى كما تنص على ذلك بعض الأخبار.
وبصورة عامة فإن المثقف لا يخرج عن كونه وصفا عاما يضم بين جنبيه مجموعة من السمات الايجابية كالميل الى التعلم وسعة الاطلاع والتمتع بحس نقدي وجمالي مستقل، إضافة الى امتلاك وجهات نظر تساير او تغاير النظام السياسي والاجتماعي لبلد ما مشفوعة بعناصر الإقناع والقدرة على التأثير فضلا عن التخلق بسلوكيات متحضرة. وبصرف النظر عن استقراء جميع الشمائل الايجابية التي يُفترض تواجدها في إطار شخصية المثقف فإن ثمة مسألة مهمة جديرة بالنقاش وتتعلق بحدود هذا المثقف بمعنى اكثر دقة هل المثقف مفهوم إنساني يمكن تعميمه على سائر أنحاء المعمورة في حقبة تاريخية واحدة ام انه مفهوم عائم يختلف من مكان الى آخر رغم وجوده في مقطع زمني واحد؟ rnلا يخفى ان هناك نظريتين بارزتين تبحثان في علم جغرافية المثقف، الأولى عالمية لا تميز بين مثقف آخر على أساس مكان تواجده فالمثقف هو المثقف سواء كان في أوروبا وآسيا وإفريقيا والأمريكيتين وهذه النظرية فضلاً عن عدم واقعيتها واستحالة تطبيقها عملياً فإنها دعوة صارخة لإلغاء التعددية الثقافية بين البشر كما انها تستلزم في كثير من الأحيان وجود أيدلوجية شمولية معينة تسعى لتصدير نموذج إنساني موحد على صعيد طريقتي التفكير والسلوك بقصد بلوغ أهدافها في الهيمنة والنفوذ او على اقل تقدير تسويق هوية ثقافية محلية محدودة ما كالأمريكية مثلا على انها ثقافة عالمية تصلح لجميع سكان المعمورة بغير استثناء. ومن تداعيات محاولة تطبيق هذه النظرية العالمية في البيئات الإنسانية المختلفة أن ظهر نموذج المثقف الضحية واعني به ذلك المثقف المستورد لثقافة أجنبية بقصد تعميمها بين أبناء جلدته من دون مراعاة لظروف الاختلاف بين بيئة إنسانية، وأخرى وأكثر ما يلاحظ شيوع هذا النمط الإنساني بين صفوف الشعراء والأدباء وعلماء النفس والتربية والاجتماع على نحو خاص. وهنا يبرز احتمال سقوط هذا المثقف بسياط ان لم نقل سيوف النقد المحلية فإذا نجا من هذا المصير المحتمل فانه واقع لا محالة فريسة الإحساس بالاغتراب تجاه بيئته المحلية ما يحمله على تبني سلوك السير ضد التيار العام والنظرة الدونية لكل ما تقع عليه عيناه ما عدا ثلة من مريديه وإتباعه الذين يتناقصون بدورهم تدريجيا الامر الذي يلجئه في النهاية الى التفكير بالهجرة عن بيئته الأصلية الى بيئات المنشأ الثقافي...، فإذا عجز عن تنفيذ ذلك عمليا عمد الى العزلة والانطواء والتشرنق حول نواة نرجسية بالغة الصغر والضيق كما هو مشاهد في الكثير من مدعي الثقافة المستنيرة. أما النظرية الثانية والمتبناة من قبل جملة من علماء الاجتماع الشرقيين والمشتغلين في علوم التربية فانهم ينظرون الى الثقافة بمعناها المجرد عن السياسة على انها منتج محلي غير قابل للاستيراد والتصدير هذا اولا، وثانيا فإنه ليس هناك من وجهة نظر هؤلاء ثمة مثقف وانما مثقفون يقع على عاتقهم اينما كانوا تبليغ مناهج للتفكير والسلوك المتحضر أشبه شيئاً بأمثلتها العليا السماوية منها والوضعية.rnوالحقيقة فان هذه النظرية هي الاوفق من الأولى من حيث توفرها على الأدلة العلمية والمنطقية واستنادها الى قواعد جماهيرية واسعة الا ان حظوظها في التبني والترويج الفاعل من لدن مثقفي منطقتنا الإسلامية والعربية ومنهم العراقيون لا يزال أدنى بكثير من المعدلات التي أحرزتها وتحرزها النظرية الأولى، ولو بحثنا في الأسباب لوجدنا أبرزها يتمثل بالآتي: rn1- الخوف من اتهامات الخصوم الجاهزة لهم بالرجعية والقومية والعنصرية والطائفية وما الى ذلك. rn2- الانبهار بنموذج المثقف بصيغته العالمية بكل ما فيه وعليه من افكار تمس الكون والمجتمع. rn3- النظرة الدونية الى محتوى التراث المحلي وبالتالي النظرة الدونية للذات الوطنية او الدينية. rn4- تبني فكرة العولمة ومنها عولمة الثقافة في مقابل فكرة الحفاظ على الهويات الخاصة. rn5- إغراق الأسواق المحلية بالبضاعة الثقافية الأجنبية الموردة بأثمان رخيصة تزامناً مع سياسة إغراق الأسواق في البلدان المتخلفة بالمنتجات الأجنبية عالية الجودة وزهيدة الأسعار ما يعطي انطباعا عاما بعدم جدوائية الثقافات المحلية قياسا بالصناعات المحلية الرديئة في الدول غير المتطورة تقنيا. rnان الإحساس بخطر تعميم مفهوم المثقف بمعناه العالمي على نظرائه المحليين بدأ يأخذ حيزا مهما من اهتمامات دول العالم المختلفة وعليه فقد شرعت دول شتى بالتراجع عن مسلماتها الفكرية السابقة باتجاه المسير نحو مصادرها الثقافية التقليدية لاسيما ما يتعلق بكنوزها الروحية التي ذهبت او كادت ان تذهب ضحية عوامل الاندثار من فرط ما زهدت بها النخبة الاجتماعية او ما تُسمى كذلك في تلك البلدان، وبهذا المعنى فليس من المستغرب ان تجد في الكثير من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه الحديثة في دول الشرق ما ينبئ بالعودة الى مشاريع احياء الموات الثقافية لتلك الدول ومحا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram