بغداد/ نورا خالد ........ تصوير/ أدهم يوسف قبل اشهر عاد محمد غني بعد غربة الى الاستوديو الخاص به في شارع 14 رمضان ببغداد (كان هنري زوفوبودا صديقه الهنغاري الاصل قد صمم ونفذ الاستوديو قرب مطعم الساعة...) وكان هذا اول استوديو في العراق عام 1964، كان قد صممه على الطريقة الايطالية كان هنري كما يقول عنه محمد غني " عنده نظرة فنية خاصة، وله علاقات جيده معنا، وكان مدرسا" متميزا" في كلية الهندسة".
نقرا في وثائق محمد غني فنجده من مواليد عام 1929 ولا يذكر تاريخ ميلاده لكنه، لا ينسى يوم سفره إلى روما في العشرين من شباط 1955، ويقول: من هنا بدأ التاريخ.... مابين 1958 حتى لحظة رحيله امس الاول أنجز محمد غني اكثر من مئات الاعمال ما بين نصب وتمثال وجدارية ونافورة من الخشب والحديد والبرونز والمرمر والحجر. لكنه يقول: ليس عندي أي مناسبة أحتفل بها، ولا أحضر أي حفل لإزاحة الستار عن أعمالي فأنا أتذرع بألف حجة للهرب من أضواء الإعلام المباشر. لكنه يجد المتنبي الأقرب إلى نفسه..، هل لأنه يشبهه؟، يكتب احد النقاد عن اعمال محمد غني قائلا:أسلوب محمد غني خاص ميزته التوازن والقوة والصنعة. أخذ الكثير عن القوس، وشواهد القبور، وعباءات النساء ممشوقات القوام ".وكنت قبل اشهر اتصلت بالفنان محمد غني حكمت الذي كان يقيم في عمان فجاءني صوته متعبا، كنت اريد ان اساله عن اعماله الاخيرة لكنه حدثني عن متاعب المرض التي جعلته عاجزا عن تكسير الخجر وحفر الخشب.. قلت له هل لو عدت شابا ستختار النحت ايضا، صمت قليلا جاءت كلماته متقطعة: كنت اتمنى ان اكون السندباد البحري لارحل الى كل مدن الدنيا، كانت ربما هذه اخر كلمات يصرح بها الفنانالراحل للصحافة، حين بلغني خبر رحيله قلت في نفسي لاذهب الى المكان الذبي كانت تنطلق منه حكايات محمد غني حكمت الى مشغله في شارع المنصور، ما ان دخلت الشارع حتى لاحظت الوجوم والاسى يملأ ملامح سكان الشارع فهم سمعوا بالامس خبر وفاة جارهم العزيز " العم ابو ياسر " كما يحلوا لجيرانه ان ينادوه.. اقتربت من المشغل الذي كانت بوابته مغلقه حاولت الدخول فاخبروني ان المفاتيح عنده "الفنان الراحل"، فقد كان حريصا على مشغله لايستطيع احد الدخول الا باذن منه المهندس حسن عبدالهادي الساعدي الذي كانت تربطه بعائلة المرحوم علاقة وثيقة قال: منذ طفولتي وكنت ارى محمد غني حكمت يعمل في مشغله منهمكا مع طلبته،الذين لم يبخل عليهم بأي معلومة يتنقل بين تماثيله، ولا يزال هذا المنظر عالقا في ذهني الى هذه اللحظة. وعن ذكريات الراحل مع والده قال: كان يستعين بوالدي من اجل ان يلبسه زيا معينا لكي يتمكن من تجسيد الشخصية التي يروم نحتها،وكان والدي يسعد جدا بهذا الدورالذي يقوم به لمساعدة صديقه وعن اخر مرة التقى فيها الفنان الراحل قال الساعدي: عندما زار بغداد قبل اشهر من اجل القيام ببعض النصب فيها، وكان حزيناً جداً لما اصاب بغداد من خراب طال حتى بعضاً من نصبه، ام باسم جارته تحدثت معنا والدموع تملأ عينيها قالت: لم اصدق اذنيّ عندما سمعت خبر رحيل ابو ياسر واضافت مرت امامي كل الذكريات التي كانت تربطنا معه،وكيف كان الزوار الاجانب يقفون مندهشين امام منحوتاته التي كان يعرضها لهم على رصيف الشارع المقابل لبيتي، لعدم وجود فراغ داخل مشغله، ويأخذون معها الصور التذكارية، واذكر ايضاً ان اغلب العوائل العراقية الغنية كانت تاتي الى مشغله من اجل ان ينقش لهم من ابداعاته على ابوابهم الخشبية،حباً بفنه وتباهياً.ربيع حازم الذي يسكن في الشارع المقابل لبيت الفنان الراحل بدت عليه علامات الحزن وهو يتحدث عن ذكرياته مع هذه العائلة التي رحلت من بغداد وكما قال ربيع بسبب تردي الوضع الامني وكغيره من المبدعين هاجر خوفا على حياته وحياة عائلته الى عمان خاصة بعد ان داهمتهم القوات الامريكية، ولم يتبق كما قال ربيع سوى الذكريات الجميلة التي تربطهم،وعن انطباعاته عن الراحل تحدث ربيع قائلاً: كان الراحل يبدو منشغلاً بافكاره بالرغم من وجوده بيننا، واتذكر كنا انا وولده ياسر نتسلل الى مشغله لاشباع فضولنا لما يضمه هذا المشغل من تحف غنية،وأذكر في احدى المرات رايت في مشغله تمثال شهريار وشهرزاد ولم يكن قد اكتمل العمل بهما. غادرت الشارع وانا ارى دموع جيران محمد غني حكمت تتللألأ حزنا على رحيل سندباد بغداد.
جيران محمد غني حكمت يتذكرون حكايات سندباد بغداد
نشر في: 13 سبتمبر, 2011: 10:44 م