اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > الملاحق > رؤيـة تـحـلـيـلـيــة: "دولــة الــصــدقـــة" في الـعـراق

رؤيـة تـحـلـيـلـيــة: "دولــة الــصــدقـــة" في الـعـراق

نشر في: 18 سبتمبر, 2011: 06:37 م

د. ناجح العبيديباحث اقتصادي عراقي مقيم في برلينيوصف الاقتصاد العراقي عادة بالريعي تعبيرا عن اعتماده الوحيد الجانب على ثروته الباطنية المتمثلة في النفط. ويطلق هذا الوصف أيضا على الدولة العراقية التي كرست هيمنتها منذ عقود عديدة على أهم مصدر للدخل، ما يتيح لها إعادة توزيعه بالطريقة التي ترتأيها وبما يخدم مصالح النخب الحاكمة.
لكن صفة "الريعية" تبقى قاصرة عن عكس جميع الجوانب الجوهرية للدولة العراقية وطبيعة العلاقة التي تربطها بالمواطنين. فهذا المفهوم يغطي جانب الإيرادات بالنسبة للدولة التي لا تلجأ للضرائب، وإنما تكتفي بالاستحواذ على الفائض النفطي. أما في جانب الإنفاق فإن الدولة تتصرف في أحيان كثيرة وكأنها توزع الصدقات والهبات على المواطنين ضمن نظام يمكن تسميته بـ "دولة الصدقة". فالحاكم لا يتردد في التعامل مع المال العام وكأنه "أموال صدقة" في عهد الدولة الإسلامية عندما كان الخليفة يوزعها كما يحلو له بعيدا عن أي قانون ملزم ووفقا لمعاييره الشخصية في العدالة. ويبدو أن صعود التيار الإسلامي في عراق ما بعد صدام حسين ساهم أيضا في ترسيخ هذه الظاهرة. "مكارم" صدام و"منافع" المالكي من بين المصطلحات التي شاع استخدامها خلال السنوات الأخيرة للنظام الدكتاتوري مفهوم "المكرمة". وقد اتخذت أحيانا أشكالا في منتهى السخرية. فالحاكم بأمره كان يتلطف ويهدي إلى الرعية بمناسبة عيد رمضان مثلا نصف كيلوغرام من العدس تضاف الى الحصة التموينية المقررة. وقد برع الطاغية السابق في استخدام ورقة المكارم أثناء زياراته الميدانية ولقاءاته بالأتباع والأنصار. وكان الهدف دائما هو شراء الذمم والولاءات. غير أن هذه التقاليد لم تنتهِ بسقوط النظام وإنما استمرت في العهد الجديد ولكن بأشكال جديدة، منها ما يسمى بـ "المنافع الاجتماعية". بند المنافع الاجتماعية الذي كان مخصصا في الموازنة العامة للرئاسات الثلاث، مجلس الوزراء والجمهورية ومجلس الوزراء، من دون معرفة مقدارها تماما إذ انه مدمج مع بنود أخرى، ومن دون تحديد كيفية إنفاقها، منح المسؤول العراقي سلطة في توزيع الأموال على شبكة المقربين من أفراد ومنظمات، أو استخدامها في تلميع صورته وكسب الأعوان. فبعد كل تفجير إرهابي على سبيل المثال يقوم مسؤولون كبار بزيارة الضحايا وبالتبرع لذويهم أو بعلاج المصابين منهم وغيرها. ومن الملاحظ أن هذه الزيارات تحظى عادة بتغطية خاصة من قبل وسائل الإعلام الرسمية لإظهار مدى "حرص" هذا المسؤول أو ذلك على العناية بشؤون الرعية. الرئاسات الثلاث كانت تتجنب ذكر أرقام المنافع الاجتماعية التي يحصل عليها كل مسؤول، وهناك استثناء واحد في هذا الصدد هو النائب السابق لرئيس الجمهورية عادل عبد المهدي الذي اقر في لقاء مع تلفزيون السومرية نهاية كانون الثاني (يناير) 2010 بانه كان يتسلم شهريا مليون دولار كمنافع اجتماعية تقريبا وبمجموع 11 مليون دولار بالسنة، مبينا أنها تصرف "للحالات الطارئة الخاصة بالمواطنين". وبطبيعة الحال فإن من واجب الدولة أن ترعى ضحايا الإرهاب وأن تعوضهم ولو بشيء يسير يخفف عنهم آلامهم وخسائرهم المعنوية والمادية. ولكن المشكلة في بند المنافع هي انها توزع عبر مكتب المسؤول مباشرة وبشكل شخصي، لتبدو مجددا كما لو أنها "مكرمة" منه. ويبدو أن تدفق الثروات في السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط فتح شهية البعض لتعزيز النفوذ الشخصي والحزبي، الأمر الذي اضطر مجلس النواب إلى إلغائه من ميزانية الدولة لعام 2011. القرار جاء بالدرجة الأولى نتيجة ضغط الشارع، إلا أن رئيس الوزراء نوري المالكي عبر مرارا عن انزعاجه من إسقاط هذا البند ودعا إلى إعادة العمل به. وقال في تصريح منتصف حزيران (يونيو) الماضي إن "رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو البرلمان ونوابهم يحتاجونها في زياراتهم ولقاءاتهم بالمواطنين".rnالحصة التموينية: ضرورة اجتماعية أم إهدار للمال العام من الأمور العجيبة في عراق اليوم هي استمرار العمل بالبطاقة التموينية رغم انتفاء الأسباب التي دعت اليها، لا بل وأصبحت البطاقة التموينية أهم وثيقة في المعاملات الرسمية في ظاهرة لا توجد إلا في بلاد الرافدين. لقد استحدث صدام حسين نظام البطاقة التموينية إثر اجتياح الكويت وفرض الحصار على العراق في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المحتمل نتيجة تردي الأوضاع المعيشية. واليوم وبعد مرور ثماني سنوات على خلعه، خصصت الحكومة العراقية في آخر ميزانية حوالي 7 مليارات (من أصل ثمانين مليار دولار)، لتزويد جميع العراقيين، غنيهم وفقيرهم بمواد غذائية شبه مجانية. وهو إجراء يخلق – بإجماع الاقتصاديين– حالة من الاتكالية لا تصب في صالح التنمية، كما أنه يخرق أيضا مبادئ العدالة التي جاء باسمها لأنه يساوي بين الناس بطريقة شكلية ولا يميز بين المحتاجين فعلا وغيرهم. وبالتأكيد فإن هناك بدائل أفضل وأكثر عدالة لاستخدام المليارات المخصصة لاستيراد مفردات البطاقة التموينية وللإنفاق على شبكة توزيعها في عموم البلاد، إذ يمكن توظيفها لتمويل زيادة في أجور ومرتبات ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين وتحسين شبك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة
الملاحق

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة

  دمشق / BBCبعد أيام من سقوط القذائف السورية عبر الحدود إلى تركيا، ما يزال التوتر وأعمال القتل، تتصاعد على جانبي الحدود، في وقت أعلن فيه مقاتلو المعارضة قرب السيطرة على معسكر للجيش النظامي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram