فخري كريم
برغم النيات الحسنة المعلنة التي انطوت عليها التحالفات السياسية التي ظهرت حتى الآن، لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، باتجاه تفادي الاصطفاف،
سياسيا على أسس عرقية وطائفية ودينية..إلا أن واقع الحال لا يسعف تلك النيات الحسنة ولا يؤكد جدية السعي بهذا الاتجاه قدر ما يؤكد استثمار الأزمة السياسية بحلول مخادعة ومواربة.
أنْ تُحشِّدْ أحزاباً وعشائر وشخصيات من مرجعيات متنوعة في كيان انتخابي واحد لا يعني، في أي حال، عبور مشكلة البناء السياسي، ومن ثم الإداري الحكومي، على أسس قومية ودينية وطائفية.كما لا علاقة لهذا الكيان الخليط بالتحالفات الحزبية ولا صلة له بجهات العمل السياسي المعروفة.
سيكون هذا الكيان انتخابيا، بمعنى تجمعه على أهداف انتخابية، بكل ما تعنيه هذه الصفة من دلالات مصالح ومنافع، وبالتالي فهو ليس جسدا سياسيا عضويا ملتزما ببرنامج ستراتيجي وطني ومبنيا على أساس حزبي يتم الصعود والهبوط فيه اعتمادا على الفاعلية الحزبية وسواها من العوامل التي تخلق كاريزما الحزبي ونجوميته ودواعي ترشيحه من دون الرجوع إلى هويته الدينية والقومية والطائفية والعشائرية..في هذا الكيان الإنتخابي يحتشد المتجمعون، وسيكون إزاء اسم كل منهم مرجعيته التي كانت من مبررات انتمائه و(قبوله) في الكيان، حتى وإن يجري التكتم على ذلك، ولأسباب انتخابية أيضاً.
هذا الكيان هو عرضة، أكثر من الأحزاب، للتفكك.. ويسمح بالإنسحابات إذا ما تباينت المصالح وتعارضت المنافع، وسيكون التذرع بالحفاظ على مصالح الطائفة والقومية والدين هو الأكثر استخداماً لتبرير التفكك أو الانسحاب وتسويغهما لاستدرار العطف من جهة والتشهير بالمناوئين من جهة أخرى. وهذا الكيان سيعمل على استباق محاصصة البرلمان المقبل ويمهد لها بمحاصصة أولية داخله، يجري من خلالها توزيع الفوائد بالأخذ بالحسبان الحفاظ على (جوهر التوازن)، لكن هذا التوازن داخل الكيان الواحد لم يفكر العاملون عليه بما سيحدثه من اختلال مقبل في (توازن النسب) داخل البرلمان، حين ستصعد مع هذا الكيان المختلط كتلٌ أخرى نقية ذات تمثيل طائفي أو قومي أو ديني واحد.
الكيان المختلط سيعطي من حصته التي هي حصة طائفة معينة تنتمي لها القوة الأكبر في هذا الكيان لصالح طائفة أخرى..وحينها، إما أن تبرز عوامل الخلاف والتفكك أو يجري الصمت على هذا الخطأ غير المحسوب والقبول به على مضض ومن ثمَّ تسويقه على أنه من صيغ التعبير عن التخلي عن التحاصص القومي الطائفي الديني، فيما هو، واقعاً، نتاج لخلل وقصور التفكير والخيال السياسي.
إن التعبير عن التخلي عن التحاصص لا يجري بهذا الأسلوب التجميعي وبأخطائه العرضية التي تخلّ بصدقية الأحزاب المذهبية ( ولا نقول الطائفية ) أمام جمهورها الموعود بالحفاظ على ( مصالح ) الطائفة..التعبير الصحيح عن ذلك التخلي يتم بالتخلي عن نمط التفكير الحزبي على أساس ديني وقومي، وهو تفكير يستدعي بالضرورة الالتزام بحدود ومساحات مذهبية أو قومية، لا يمكن للحزب الديني أو القومي أن يتجاوزها ويتمدد خارجها.
ولعل التفكير بتجميع مثل هذه الكيانات الخليطة هو التعبير الموارب عن الحاجة إلى كيان وطني كبير جامع للتنوعات على أساس الهوية الوطنية والبرامج الوطنية.سيكون تجميع هذا الكيان شكلاً من أشكال استثمار الحاجة الشعبية ومتطلبات العمل السياسي الوطني للفراغ الذي يخلفه غياب الحزب الوطني ذي القاعدة الشعبية الواسعة والفاعلية السياسية الواضحة.
وربما يكون تجميع هذه الكيانات المختلطة مرحلة من مراحل الوصول لكيان وطني حقيقي..لكن هذه المرحلة التجميعية لها أثمانها التي سندفعها ببرلمان تحاصصي قادم والتي يستفيد منها صانعو الألعاب السياسية وراكبو موجاتها.