TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غربي بالفلوس وشرقي بالنفوس

غربي بالفلوس وشرقي بالنفوس

نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 07:56 م

 مثل ملايين العراقيين لا ادري إن كان من الواقع أو الخيال، الخبر القائل إن بعض قطعات الجيش الأميركي عادت إلى بغداد، أو الانبار، لتتمركز في بعض القواعد بسبب الظروف الاقليمية الجديدة. لكن احد جيراني يقول لي انه "سعيد" بعودة امريكا!
لقد أصبح الأمر حقيقة لدى كثير من الجمهور ومهما حاولت أن تنفي ذلك فإنهم يرددون أمامك: من قال إن الجيش الامريكي انسحب بالكامل اصلا، وهل تستطيع ان تفسر لنا هبوط المروحية العسكرية في شارع حيفا بداية الصيف، ايام طيب الذكر اللواء قاسم عطا؟
ولا يهمني هنا تلك الأسباب التي تجعل الجمهور مستعدا لتصديق هذه الانباء المثيرة، حتى لو لم يحصل على دليل. فقوة امريكا المرسومة في عقله وروحه تجعله يعتقد أن لا احد يستطيع منع واشنطن من تحريك جيوشها لو أرادت. لكن ما يهمني في حديث هذا الجار أو ذاك المواطن، هو "سعادته" بالنبأ.
والجار هذا ليس ممن يحبون تحويل بلدهم الى كراج كبير لعساكر الدول العظمى. وكل مواطن يتمنى ان يكون بلده في وضع طبيعي، لا تنطلق منه ضربة لأحد ولا يتلقى ضربة من احد. لكن هذا الجزء من الجمهور السعيد بعودة امريكا، لم يشعر بعد بأن الدولة قد اكتملت. إن العجز السياسي عن تقديم صورة نصف مستقرة عن العلاقات بين كتل البرلمان وممثلي الطوائف، يتحول في ذهن الجمهور العادي كبرهان على الفشل المطلق الذي يحتاج وصاية من جهة اكبر. اي ان كل الحراك الذي حصل وكل المليارات المصروفة وحتى سفر الوفد الحكومي الى موسكو لشراء اسلحة لجحافلنا وفيالقنا، لم يقنع جزءا مهما من الجمهور بأن دولتنا اكتملت ولم تعد بحاجة إلى مساعدة. او أنها نضجت وصارت مستغنية عن التأثير الخارجي.
الجار يقول لي: كان الساسة يختلفون فتتدخل واشنطن و"تفضها"، وهذه المرة لم تتدخل أمريكا فلم يتصالح الساسة، والناس تشعر بالقلق جراء هذا. ان سعادة صاحبنا منبه مؤسف على استمرار النقص في هيبة الدولة وشكلها وأدائها.
اما انا فلست قلقا من مجيء أو عدم مجيء القوات الامريكية الى العراق. وفي دردشة مع موظفين في القسم السياسي بالسفارة الامريكية، قلت لهم: نخشى أنكم وافقتم على صفقة يكون العراق بموجبها ليبراليا باقتصاده، واستبداديا بسياسته. ويكون رئيس الحكومة أمريكيا في صفقات النفط وايرانيا في صياغة مواقفه الإقليمية. وبعبارة اخرى صفقة تقبل أن يكون العراق غربيا في الفلوس، وشرقيا في النفوس.
والحقيقة ان هذا ما بدا خلال آخر عامين من علاقتنا بأمريكا. فواشنطن لم تعترض على الكثير من سياسات حكومتنا بالغة الخطورة. وواشنطن لم تعترض بشكل جاد حتى حين صاغت حكومتنا جملة مواقف وقرارات جعلت بغداد بشكل غير رسمي، عضوا أساسيا في "نادي المشاغبين" الذي ترعاه موسكو وتمثله إيران ويسنده صوت الصين في مجلس الأمن.
وقد بدا أيضا أن حكومتنا تقول للغربيين: لقد منحناكم النفط، فماذا تريدون أكثر من ذلك. عليكم أن تقنعوا بأننا "غربيون" في الاستثمارات، وتتركونا نكون شرقيين خارج معايير الدولة المتقدمة، في السياسة الداخلية مع معارضينا وشعبنا، وفي الاصطفافات الدولية مع ايران وسوريا والصين!
ان سعادة بعض العراقيين ببقاء نفوذ امريكا قويا في العراق، يعني عدم ثقتهم بنوايا ساستنا وبأحلامهم التي يريدون تصميم مستقبلنا على أساسها. العراقيون الذين ملوا من الحرب وملوا من مجيء الجيوش الاجنبية وملوا من تأثير الخارج على الحكومة، أصابهم الملل كذلك من سلطان يريد التحكم بحياتهم بطريقة كاريكاتيرية مضحكة. وأصابهم الملل من ساسة يعانون لوثة عقلية ويتحكمون بمصائرنا وفق عقدهم الشخصية، ويصنعون مئات الأعداء كل أسبوع، ولا يستحون من مواقفهم المتشددة، ولا يكفون عن قراراتهم المتسرعة التي تهدر الثروة وتهدد بإشعال نزاعات باردة وساخنة مع الجميع.
محزن أن ترى عراقيا يفرح بمجيء جيش أجنبي، لأن فرحه يقوم بتذكيرنا بأن الدولة لم تظهر في بلادنا بعد. ومحزن ان تشعر بأن امريكا التي تمارس تأثيرا على معظم البلدان الصغيرة والكبيرة، قد تبرم صفقة مع بغداد يكون العراق بموجبها، غربيا ليبراليا بنفطه وفلوسه، وشرقيا مستبدا بسلاحه وسياسته. انه كابوس مزعج آخر لن نصحو منه بسهولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

أسباب تخلف العالم العربي في العلوم والتكنولوجيا

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

بين المتطلبات الأكاديمية والتحديات المهنية تعقيدات تطبيق تعليمات الترقيات العلمية

العمود الثامن: كشكش يك في مجلس النواب

العمود الثامن: وزير يطارد المستقبل

العمود الثامن: تحت شعار: جئنا لنبقى!!

 علي حسين ما يجري على الساحة السياسية الآن يثيرُ شكوك وسخرية الناس بكائن هجين احتارت الناس ماذا تسميه، مؤتمر وطني، اجتماع وطني أم ورقة الإصلاح؟ المواطن يدرك انه كلما طرحت بادرة للتقارب بين...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 8 -من هنا يمكن لنا رصد مستويين للرؤية: المستوى الاول هو مستوى سرد للاحداث والمستوى الثاني لحظة ولادة اوسكار مستوى معايشة الاحداث، الذاتي والموضوعي اذن هو اساس التحكم في جميع العلاقات...
علاء المفرجي

المعاهدة الروسية – الإيرانية: تؤسس لنقلة نوعية في علاقات البلدين

د. فالح الحمراني وقع الرئيسان فلاديمير بوتين ومسعود بيزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران في 17 كانون الثاني في الكرملين. وجاء توقيع الاتفاقية نتيجة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى...
د. فالح الحمراني

عجائب الثورات.. قطاعو طرقٍ ولصُوصٌ

رشيد الخيون تجد كتب التَّاريخ ملأى بالغرائب والعجائب؛ تسمع بشخصية ذي مكانة في قيام ثورة مِن الثَّورات، أو دولة مِن الدُّول، وإذا به وصل إلى ما هو عليه، بعد إشقاء النّاس بقطعه الطّريق، واللصوصيَّة....
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram