انتصر قانون استقلال القضاء المصري على رئيس الجمهورية محمد مرسي, الذي تراجع عن قراره بإقالة النائب العام من منصبه وتعيينه سفيراً, وهو تراجع تختلف النظرة إليه, حيث يرى فيه البعض رصيداً ايجابياً للرئيس, الذي يضع موقعه تحت سقف القانون, في حين ينظر إليه آخرون باعتباره دليلاً على قلة الخبرة, الذي يقود إلى التخبط في اتخاذ القرارات.
نعرف جميعاً أن الرئيس مرسي لم يصل إلى موقعه وهو يحفظ كل القوانين, إضافة إلى أنه لم يمارس سابقاً أي شكل من أشكال السلطة, وهو لذلك مضطر إلى الاستعانة بمستشارين من كافة التخصصات, لمساعدته على اتخاذ قرارات لا يكون مجبراً على التراجع عنها, أو تقديم الاعتذار على اتخاذها, لعدم دستوريتها أو مخالفتها للقوانين المعمول بها.
الراهن أن مرسي استعان بمستشارين على غير الأسس السليمة في الاختيار, وهم قادرون فقط على إيقاعه في أزمات متتالية, بسبب سوء تقديرهم للموقف السياسي والقانوني, والأمثلة عديدة, ومنها قرار إقالة النائب العام, وقرار عودة البرلمان رغم حكم المحكمة الدستورية بحله, ثم التراجع عن القرارين, ما يضعف موقف الرئيس في عين مواطنيه.
" المستشار مؤتمن " كلمتان غائبتان عن قاموس مستشاري مرسي, المستعدين لفبركة أي قرار لمجرد نيل رضاه, بغض النظر عن مواقف المعارضة والشارع, لكنهم في واقع الحال يؤذونه حين يضطر للتراجع معلناً أنه فهم القرار خطأً, ثم يترك للمتحدث الرسمي للرئاسة المراكمة على الخطأ, حين صرح أن النائب العام مستمر في منصبه, في حين كان عليه التأكيد أن الرئيس سحب قراره, لأنه لا يستطيع إقالة النائب العام حتى يقرر استمراره.
هل هي قلة الخبرة التي تدفع المستشارين لإيقاع الرئيس في الأخطاء, أم هو شعور بالزهو بالفوز, يدفعهم للاعتقاد بأن رئيسهم فوق الجميع, وأن عليهم فقط تقديم التبريرات, أم أن نجاح مرسي في تهميش المشير طنطاوي والمجلس العسكري دون أزمات, كان سببًا في التجرؤ على اتخاذ قرارات يتوقع أن تلقى ترحيباً شعبياً حتى لو كان ذلك مخالفاً للقوانين أو من غير صلاحيات الرئيس.
مشكلة مرسي كما يرى البعض, تكمن في اختياره لمستشاريه على أسس حزبية, وتسديداً لفواتير من وقف معه في الانتخابات, وساعده على الوصول إلى موقعه, وبمراجعة للأسماء سنكتشف أن المستشارين القانونيين للرئيس من الجماعة، وبالتالي فالقرارات التي يتخذها المستشارون تتم وفقًا لمبدأ تطبيق قرار الرئيس بالقوة, وكأنه يقود حزباً, وليس دولة.
وظيفة المستشار ليست للترضية أو تسديد الفواتير, انما هي التنوير, ودراسة ردود الفعل المتوقعة على أي قرار, ومدى مطابقته للدستور والقوانين, وفحص إن كان من ضمن صلاحيات من يتخذه, وفي عالم غير عالمنا, يتولى موقع المستشار مكاتب متخصصة تحمل تاريخاً من النجاحات, وحتى الحزب الذي ينتمي الرئيس له يقوم بتشكيل مجلس استشاري من المتخصصين, وليس ضرورياً أن يكونوا حزبيين, لتقديم المشورة وليس لفرضها.
سنه أولى رئاسة تحتمل بعض العثرات, لكن شخصية الرئيس يجب أن تتوضح, ولا يعني ذلك أن يتحول إلى دكتاتور, لكن عليه التمحيص في آراء مستشاريه وتنويعهم, بحيث تكون قراراته مدروسة بشكل متكامل, وغير قابلة للتراجع عنها ما دامت دستورية وقانونية ومن ضمن صلاحياته, وبغير ذلك فليعلن أنه ليس صاحب قرار, ولا يتحمل غير مسؤولية التراجع والاعتذار.
التراجع عن الخطأ فضيلة يشكر عليها الرئيس المصري, على أن لا تكون سمة سنوات رئاسته, ولعله بذلك يكون مطالباً بالتراجع مرةً جديدةً عن خطأ اختيار مستشاريه ليكون ذلك التراجع الأخير.
الرئيس مرسي ومستشاروه
[post-views]
نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 06:20 م