مذكرة التوقيف الصادرة من هيئة "النزاهة"،أمس الأول، بحق سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي، تعيد طرح محنة الكفاءة والموهبة في أزمنة الطغيان والفوضى.
الطغيان يهز أو يطيح بقاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب. والفوضى تتفوق عليه من حيث ضرب كل قاعدة وأي نظام. فهي فوضى. بلدانها إما تكون في حالة حرب أهلية، وإما في حالة صراعات أهلية تشيع الاضطراب وعدم الاستقرار. في الحالين قلما تجد الكفاءة والموهبة لنفسها مكانا. فالفوضى ميدان عمل العضلات لا مسرح اشتغال العقول. ابطالها رجال ميليشيات وعصابات ومغامرون ولصوص. وهؤلاء صناع بيئة طاردة لكل ما يمت الى العقل بصلة. فمن يشتري العقول في أسواق العضلات؟
الطغيان أرحم بالكفاءة والموهبة من الفوضى. صحيح انه بدوره ليس بيئة جاذبة للعقول، ولكنه يحتاج مثل أي نظام أو حكومة الى أعمال لا يمكن انجازها من دون عقول. فهي لا تستطيع أن تعين الحداد سفيرا، كما لا تستطيع تكليف الجندي بإدارة البنك المركزي، ولا النجار بتولي مسؤولية مؤسسة اعلامية. هناك دائما أقدار متفاوتة من النظام في الحكومات الاستبدادية.
ولكن الاستبداد يظل "حساسا" من العقول، مرتابا من الكفاءة، ومتشككا في الموهبة. فهؤلاء أصحاب رأي، وطلاب احترام، ولا يستطيعون العمل بكل طاقاتهم في أجواء يكثر فيها الخوف وتقل الثقة. وكل هذه الشروط لا تلائم الاستبداد أو الطغيان. فهو يريد صمت الحملان وطاعة العبيد، ويعمل بآليات الخوف والشك. لذلك فإنه يستهدف العقول المميزة أكثر من غيرها لأنها محترمة، مؤثرة في الناس، ومقاوِمة بطريقة أو أخرى.
ذات يوم طلب صدام أفضل المهندسين المعماريين في البلد من أجل عمل من الأعمال. فقيل له انهما اثنان أحدهما في الخارج والآخر في السجن. فقال:" اللي برَّه نجيبه واللي جوَّه نطلعه". المعماريان المقصودان هما محمد مكية ورفعت الجادرجي. والذي "جوَّه" أُخرج بالفعل من السجن ولكنه أصبح كصاحبه "برَّه"، والى يومك. وهذا مثل ممتاز على العلاقة بين الكفاءة والطغيان. ان العقول المميزة لا تستطيع التكيف مع الطغيان. والطغيان يبادلها نفس الشعور.
وها هي حكومة المالكي تكرر السيرة ذاتها مع الكفاءات. والأمثلة كثيرة. سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي من أبرز الأمثلة. وأيا يكن السبب الرسمي لمذكرة توقيفه، وايا يكن السبب الفعلي، ومهما سيكون مصير مذكرة التوقيف، يظل جوهر القضية استهداف كفاءة وطنية في المجال المصرفي، ومحاولة تشويه سمعتها والنيل من كرامتها. ورسالة الاستبداد من مثل هذا الاستهداف هي دائما نفسها: لا كبير ولا حصانة أمام سلطانه. اضرب الكبير حتى يخاف الكثير.
الشبيبي حقق نتائج ممتازة على صعيد مهام البنك المركزي الرئيسية في استقرار العملة الوطنية وادارة الاحتياطي النقدي ومنع التضخم، بشهادات شخصيات وهيئات المختصة، محلية وأجنبية. والرجل بهذه الشهادات او من دونها شخصية معروفة فوق الشبهات. ولكن المسألة هي أن عقلية الاستبداد لا تستطيع هضم الشخصية اللامعة، الكفوءة، الناجحة، والمستقلة. إن الأثواب النقية تستفز المصابين بلوثات الفساد والاستبداد والهمجية. ثم أن العلامة الفارقة للبلدان الفاشلة، ونحن في المرتبة التاسعة بينها، هي الخصومة مع الكفاءة والموهبة. وهذه الخصومة في اي بلد وجدت معناها أنه يسير في دروب الظلام. وقد طال عهد العراق بهذه المسيرة والعياذ بالله من ادمانه عليها.
جميع التعليقات 2
khalid
ما يخفيني ويقلقني كثيرا هو شعوري بأن ماتنتهجه السلطة اليوم هو السير بنفس خطى النظام السابق والاستفادة من خبراته في كل المجالات في التعامل مع قضايا البلد السياسية والاجتماعية وكذلك موضوع التعامل مع الفكر والحريات وحقوق الانسان .. وما يؤلمني اكثر هو الثمن ا
yas
لا خلاف على مهنية الشبيبي ودوره لكن هل وصلت معارضة المدى وكتابها للمالكي الى درجة الاعتراض الاعمى على اي قرار يصدر مع العلم ان القرار اصلا صادر من قاضي في محكمة وهناك ادلة كما يقول المدعون وهناك كلام عن مليارات هربت الى الخارج الم تتهمو المالكي بالعمالة ا