اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سنان الشبيبي

سنان الشبيبي

نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 07:07 م

مذكرة التوقيف الصادرة من هيئة "النزاهة"،أمس الأول، بحق سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي، تعيد طرح محنة الكفاءة والموهبة في أزمنة الطغيان والفوضى.

الطغيان يهز أو يطيح بقاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب. والفوضى تتفوق عليه من حيث ضرب كل قاعدة وأي نظام. فهي فوضى. بلدانها إما تكون في حالة حرب أهلية، وإما في حالة صراعات أهلية تشيع الاضطراب وعدم الاستقرار. في الحالين قلما تجد الكفاءة والموهبة لنفسها مكانا. فالفوضى ميدان عمل العضلات لا مسرح اشتغال العقول. ابطالها رجال ميليشيات وعصابات ومغامرون ولصوص. وهؤلاء صناع بيئة طاردة لكل ما يمت الى العقل بصلة. فمن يشتري العقول في أسواق العضلات؟

الطغيان أرحم بالكفاءة والموهبة من الفوضى. صحيح انه بدوره ليس بيئة جاذبة للعقول، ولكنه يحتاج مثل أي نظام أو حكومة الى أعمال لا يمكن انجازها من دون عقول. فهي لا تستطيع أن تعين الحداد سفيرا، كما لا تستطيع تكليف الجندي بإدارة البنك المركزي، ولا النجار بتولي مسؤولية مؤسسة اعلامية. هناك دائما أقدار متفاوتة من النظام في الحكومات الاستبدادية.

ولكن الاستبداد يظل "حساسا" من العقول، مرتابا من الكفاءة، ومتشككا في الموهبة. فهؤلاء أصحاب رأي، وطلاب احترام، ولا يستطيعون العمل بكل طاقاتهم في أجواء يكثر فيها الخوف وتقل الثقة. وكل هذه الشروط لا تلائم الاستبداد أو الطغيان. فهو يريد صمت الحملان وطاعة العبيد، ويعمل بآليات الخوف والشك. لذلك فإنه يستهدف العقول المميزة أكثر من غيرها لأنها محترمة، مؤثرة في الناس، ومقاوِمة بطريقة أو أخرى.

ذات يوم طلب صدام أفضل المهندسين المعماريين في البلد من أجل عمل من الأعمال. فقيل له انهما اثنان أحدهما في الخارج والآخر في السجن. فقال:" اللي برَّه نجيبه واللي جوَّه نطلعه". المعماريان المقصودان هما محمد مكية ورفعت الجادرجي. والذي "جوَّه" أُخرج بالفعل من السجن ولكنه أصبح كصاحبه "برَّه"، والى يومك. وهذا مثل ممتاز على العلاقة بين الكفاءة والطغيان. ان العقول المميزة لا تستطيع التكيف مع الطغيان. والطغيان يبادلها نفس الشعور.

وها هي حكومة المالكي تكرر السيرة ذاتها مع الكفاءات. والأمثلة كثيرة. سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي من أبرز الأمثلة. وأيا يكن السبب الرسمي لمذكرة توقيفه، وايا يكن السبب الفعلي، ومهما سيكون مصير مذكرة التوقيف، يظل جوهر القضية استهداف كفاءة وطنية في المجال المصرفي، ومحاولة تشويه سمعتها والنيل من كرامتها. ورسالة الاستبداد من مثل هذا الاستهداف هي دائما نفسها: لا كبير ولا حصانة أمام سلطانه. اضرب الكبير حتى يخاف الكثير.

الشبيبي حقق نتائج ممتازة على صعيد مهام البنك المركزي الرئيسية في استقرار العملة الوطنية وادارة الاحتياطي النقدي ومنع التضخم، بشهادات شخصيات وهيئات المختصة، محلية وأجنبية. والرجل بهذه الشهادات او من دونها شخصية معروفة فوق الشبهات. ولكن المسألة هي أن عقلية الاستبداد لا تستطيع هضم الشخصية اللامعة، الكفوءة، الناجحة، والمستقلة. إن الأثواب النقية تستفز المصابين بلوثات الفساد والاستبداد والهمجية. ثم أن العلامة الفارقة للبلدان الفاشلة، ونحن في المرتبة التاسعة بينها، هي الخصومة مع الكفاءة والموهبة. وهذه الخصومة في اي بلد وجدت معناها أنه يسير في دروب الظلام. وقد طال عهد العراق بهذه المسيرة والعياذ بالله من ادمانه عليها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. khalid

    ما يخفيني ويقلقني كثيرا هو شعوري بأن ماتنتهجه السلطة اليوم هو السير بنفس خطى النظام السابق والاستفادة من خبراته في كل المجالات في التعامل مع قضايا البلد السياسية والاجتماعية وكذلك موضوع التعامل مع الفكر والحريات وحقوق الانسان .. وما يؤلمني اكثر هو الثمن ا

  2. yas

    لا خلاف على مهنية الشبيبي ودوره لكن هل وصلت معارضة المدى وكتابها للمالكي الى درجة الاعتراض الاعمى على اي قرار يصدر مع العلم ان القرار اصلا صادر من قاضي في محكمة وهناك ادلة كما يقول المدعون وهناك كلام عن مليارات هربت الى الخارج الم تتهمو المالكي بالعمالة ا

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: نائب ونائم !!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

 علي حسين تهلّ علينا النائبة عالية نصيف كلَّ يوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها بعض النواب، حيث يظهرون بالصورة والصوت ليعلوان أن المحاصصة...
علي حسين

كلاكيت: عشرة أعوام على رحيل رينيه

 علاء المفرجي في الذكرى العاشرة لرحيل شاهد عصر الموجة الفرنسية الجديد، التيار الذي شكّل حدثاُ مفصلياً في تاريخ السينما ألان رينيه الفرنسي الذي فرض حضوره القوي في المشهد السينمائي بقوة خلال تسعة عقود...
علاء المفرجي

نحو هندسة للتوافق التنموي

ثامر الهيمص وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في...
ثامر الهيمص

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

رشيد الخيون أقام ديوان الكوفة بلندن(1993) أسبوعاً عنوانه "التُّراث الحي في حضارة وادي الرّافدين"، ففاجأنا دكتور بعلم الأحياء، معترضاً على إحياء "الأصنام"، وبينها كَوديا. لم نأخذه على محمل الجد، حتى كسرت "طالبان" تمثالي بوذا(مارس2001)،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram