TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طبول حرب

طبول حرب

نشر في: 16 أكتوبر, 2012: 06:17 م

قبل أيام صرح مستشار لرئيس الوزراء بكلام ليس له أي اسم آخر سوى أنه إعلان حرب ضد إقليم كردستان. ولست هنا في معرض الدفاع عن سياسات الإقليم المضادة لسياسات المركز، ففي كلا الخندقين أخطاء وخطاءون، لكني أتكلم عن اللغة المستخدمة في تصريحات مسؤولي العراق بعربهم وكردهم سنّتهم وشيعتهم، لغة أغلب هؤلاء ومستشاريهم لا تتورع عن الإيحاء بأنهم يدفعون البلاد إلى الحافة التي ليس من بعدها إلا الهاوية.

الحراك السياسيّ منذ استفحال أزمة الثقة بالمالكي وحكومته حراك متشنج، كلّ من الساسة يريد أن يخيف صاحبه بالركض سريعاً نحو الحافة، دون أن يلقي بنفسه طبعاً، الآخر لا بدّ أن يجاريه فيركض معه إلى الحافة ذاتها، ومن يسمع ويرى ما يدور لا بدّ أن ينتابه شعور بأن الوضع سائر إلى حرب طاحنة يشعلها الواقفون على الحافة ونقتل فيها نحن.

نعرف أن الساسة لن يتحاربوا، لهم في السلم مصلحة تبدأ وتنتهي بالمال الجالب لكلّ شيء آخر عداه، صحيح أن حال الناس وأمنهم وراحتهم آخر ما يفكر به السياسيّ ويشغل باله، لكنه ليس من الغباء بحيث يفرط بامتيازاته التي يغبطه عليها كل ساسة العالم المتحضر والهمجيّ، ولذا لن يصل بوعيده وتهديده إلى ما يجعله في مجابهة فعلية مع متسلط آخر مثله.

لكن الأمر لا يعدو سوى كونه حواراً، هذه التهديدات واللغة المتشنجة وقرع الطبول أدوات حوارٍ لا يحسن الساسة العراقيون سواه، فهم لم يعتادوا إنشاء حوار حضاريّ كما قد يفعل مثقفون وعلماء وساسة حقيقيون في بلدان أخرى، معظمهم أبناء عقيدة ذات نواة صلبة لا تحسن التحاور إلا إذا كان ينتهي بأن تكون أنت أنا أو يلقى بك في غياهب الازدراء والإقصاء وربما التكفير.

لكن طريقتهم في الحوار مخيفة حقاً، لأن في أيديهم مقدرات دولة، ففي سبيلهم إلى تخويف غريمهم يمكن لهم أن يُنشئوا جيشاً ويضعوه على حدود المدن،  يمكن لهم أن يدعموا ميليشيا من القتلة، يقطعون الطرق أو يستنفروا عتاة العقائديين من جماعتهم، كلّ ما على السياسيّ فعله هو أن يتحارب مع غريمه بألفاظ وبدون سلاح، ليخرج بعدها همج رعاع يملأون الشوارع بسلاح خبأوه طويلاً إلى أن تحين هذه اللحظة السعيدة.

يعوّل السياسيّ على قدرته في ضبط هذه اللعبة وعدم الوصول بها إلى حرب فعلية، لكنْ لا أحد يضمن أن الأمور لن تفلت من يديه يوماً، وقد رأينا في وقائع كثيرة أنها فلتتْ واشتعلت مدن العراق بكلمة من هذا الإمبراطور الطائفي قالها بحق إمبراطور الطائفة الأخرى.

اللصوص قلما يختلفون، وإذا اختلفوا فستحدث كارثة. قد يشتعل العالم بسبب خلاف لصّين يجلسان على طاولة واحدة يخوّف أحدهما الآخر بكلام حربيّ بينما البسطاء الجهلة الساذجون يتذابحون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

أسباب تخلف العالم العربي في العلوم والتكنولوجيا

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

بين المتطلبات الأكاديمية والتحديات المهنية تعقيدات تطبيق تعليمات الترقيات العلمية

العمود الثامن: كشكش يك في مجلس النواب

العمود الثامن: وزير يطارد المستقبل

العمود الثامن: تحت شعار: جئنا لنبقى!!

 علي حسين ما يجري على الساحة السياسية الآن يثيرُ شكوك وسخرية الناس بكائن هجين احتارت الناس ماذا تسميه، مؤتمر وطني، اجتماع وطني أم ورقة الإصلاح؟ المواطن يدرك انه كلما طرحت بادرة للتقارب بين...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 8 -من هنا يمكن لنا رصد مستويين للرؤية: المستوى الاول هو مستوى سرد للاحداث والمستوى الثاني لحظة ولادة اوسكار مستوى معايشة الاحداث، الذاتي والموضوعي اذن هو اساس التحكم في جميع العلاقات...
علاء المفرجي

المعاهدة الروسية – الإيرانية: تؤسس لنقلة نوعية في علاقات البلدين

د. فالح الحمراني وقع الرئيسان فلاديمير بوتين ومسعود بيزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران في 17 كانون الثاني في الكرملين. وجاء توقيع الاتفاقية نتيجة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى...
د. فالح الحمراني

عجائب الثورات.. قطاعو طرقٍ ولصُوصٌ

رشيد الخيون تجد كتب التَّاريخ ملأى بالغرائب والعجائب؛ تسمع بشخصية ذي مكانة في قيام ثورة مِن الثَّورات، أو دولة مِن الدُّول، وإذا به وصل إلى ما هو عليه، بعد إشقاء النّاس بقطعه الطّريق، واللصوصيَّة....
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram