يتفق أغلب السياسيين-رغم اختلافاتهم – وأغلب المواطنين على أن التجربة العملية على مدى السنوات التسع الماضية لم تقترب ،ولو قليلا، من مستوى طموحات الناس ولم تحقق شيئاً من تطلعاتهم التي لم "يعلُ سقفها" كثيرا، فهي لا تتجاوز، ضمان العيش بأمن وسلام، وت
يتفق أغلب السياسيين-رغم اختلافاتهم – وأغلب المواطنين على أن التجربة العملية على مدى السنوات التسع الماضية لم تقترب ،ولو قليلا، من مستوى طموحات الناس ولم تحقق شيئاً من تطلعاتهم التي لم "يعلُ سقفها" كثيرا، فهي لا تتجاوز، ضمان العيش بأمن وسلام، وتندرج بقية التفاصيل تحت هذا المطلب، مثل العيش الكريم، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والحرية الشخصية، وحرية التعبير والاعتقاد.
والمشكلة تكمن في أن كل ذلك بات مهددا نتيجة المناخ السياسي، وتسييس كل شيء، فيما يجب أن يحدث العكس تماما، بمعنى أن لا يحدث ما يهدد أمن وسلام المواطنين بسبب المناخ السياسي مهما تأزم أو انفرج، فليس حياة الناس ما ينبغي أن تكون على المحك.
من هنا علينا البدء، بعملية تقويم لمجمل نظامنا السياسي، بدءا بالدستور الذي كتب على عجالة، ومن قبل سياسيين وليس رجال قانون، مرورا بكل المفاهيم التي تثير لغطا في الشارع مثل الفيدرالية، والديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة.
وينبغي وضع الأسس الكفيلة بضمان عمل آليات اشتغال النظام بصرف النظر في ما إذا فاز زيد أو عمرو في الانتخابات، بل يجب أن تكون آليات عمل النظام قابلة للاستمرار بالعمل بمهنية خالصة غير قابلة للتأثر بأهواء ورغبات السياسيين و"توافقاتهم" أو "نزاعاتهم" التي باتت تؤثر على مجمل تفاصيل حياة المواطنين، وهذا تحديدا ما يجب أن يكون حافزا لتغيير وإعادة النظر في مجمل آليات ومؤسسات النظام السياسي العام في العراق.
أعتقد أن السياسيين الموجودين على الساحة السياسية غير قادرين على أن يغيروا شيئا مما ذكرت رغم اتفاق اغلبهم على ضرورة الإصلاح لسببين رئيسيين، الأول يكمن في أن من غير الممكن أن يكون ثمة من أسس للفوضى أن يؤسس لـ"نظام" فهذا يتناقض مع طبيعة الأشياء، والسبب الثاني، هو أن ما يحكم حركة أغلب القوى السياسية الآن هو ردود الأفعال غير الواعية على ما يصدر عن الآخر مما قد يسجل له في الانتخابات المقبلة، وهذا أيضا ما يجب أن يخضع إلى الإصلاح، فما هو واجب السلطة التنفيذية؟ ومن يحاسبها إذا أخطأت؟ ومن يحاسب من يمنعها من تأدية مهمتها حسب الدستور والقانون؟
ولذا أقترح أن يضطلع المثقفون والأكاديميون "غيرالمؤدلجين" بهذه المهمة التي فشل فيها السياسيون لغاية الآن، فهم لا يضعون محددات على بعضهم البعض بسبب الانتماء السياسي أو الإثني، وليس لديهم مبررات للعمل ضد بعضهم البعض كما هو الحال مع السياسيين الآن، ولا ينقصهم غيرأن يوحدوا جهودهم باتجاه هدف واحد محدد وأن يضعوا رؤيتهم المشتركة لإصلاح النظام بكل تفاصيله وبما يضمن أن يكون قابلا للحركة تحكمه قوانين حركة أقرب إلى أن تكون قوانين فيزيائية لا تقبل الخطأ، وقد يعترض البعض على أن ذلك غير ممكن "عمليا" لأننا بصدد "أمزجة" مختلفة لأناس مختلفين، فأقول إن بيني وبين أي شخص في العالم ثمة مشتركات يمكن البناء عليها، فكيف لا يمكن أن نجد مشتركاتنا (العراقية) للبناء عليها؟