TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر..شـروط الوحـدة على أسـاس التنوع وتناقضاتها - 9 -

إعادة الاعتبار للهوية الوطنية درءاً للتآمر..شـروط الوحـدة على أسـاس التنوع وتناقضاتها - 9 -

نشر في: 19 يناير, 2013: 08:00 م

وضعتنا الأزمة الحالية على حافة اختيارات صعبة، بقي التعبير السياسي "الصادم" عنها طيّ الكتمان. وما ظهر منها في الجدل العلني او الشعارات المرفوعة في المظاهرات والحركات الاحتجاجية، "تكييفات" مبطنة بالتهديد، يُعَبَّرُ عنها بـ"تصعيد سقف المطالب"، إذا لم تج

وضعتنا الأزمة الحالية على حافة اختيارات صعبة، بقي التعبير السياسي "الصادم" عنها طيّ الكتمان. وما ظهر منها في الجدل العلني او الشعارات المرفوعة في المظاهرات والحركات الاحتجاجية، "تكييفات" مبطنة بالتهديد، يُعَبَّرُ عنها بـ"تصعيد سقف المطالب"، إذا لم تجر الاستجابة لما طرحته المظاهرات الاحتجاجية، دون تحديد محتوى التصعيد وسقوفه المطلبية.

ودون مبالغة أو مغالاة، فإن الأزمة الحالية "تستبطن" تحوّلاً عميقاً، خلافاً للصراعات التي مرت على العراق منذ نيسان ٢٠٠٣، مروراً بتطورات المشهد السياسي الذي رافق تبلور مفاهيم العملية السياسية بأسسها الطائفية وتوافقاتها التي بُنيت على المحاصصة وتقاسم السلطة. ورغم فداحة ونذر مرحلة المواجهة والتصفية على الهوية فأنها لم تطرح تساؤلات أو تستبطن نوايا كالتي يجري تداولها أو التفكير بخياراتها اليوم.

فمرحلة إرساء أسس المعايشة المشتركة في عراقٍ واحد، بعد سقوط الدكتاتورية، انطلقت من الاعتراف المتبادل باحترام طبيعة العراق التكوينية المبنية على تعدد الأعراق والطوائف والقوميات والأديان. والإقرار بهذه الطبيعة يقتضي تطبيقاً ملازماً لها في الحياة السياسية وفي مختلف مستويات إدارة الدولة والسلطة السياسية ومرافقها الحيوية التي تم التعارف عليها بمفهوم "التوافق" و"المشاركة"، وانتهت في التطبيق العملي إلى مدلول مبسط وملتبس لها عبر "المحاصصة".

وقد قيل في حينه أن مفهوم التوافق يعني تأسيساً لديمقراطية انتقالية، يضع إطاراً يحول دون تشتت القوى وتصادمها، مما يعيق إعادة بناء الدولة وإرسائها على أسس ديمقراطية دستورية، ويضعف امكانية مواجهة التحديات التي يفرضها في المقام الأول، إنهاء تواجد القوات الاجنبية، وتحرير العراق من الاحتلال.

وكان واضحاً، ان تكريس صيغة التوافق وتطبيقها على شكل الحكم، وما تستلزمه من مشاركة ومحاصصة، كان يشكل في الظرف الملموس الضمانة الأكيدة لتكريس وحدة العراق وديمومتها، مع أن ذلك للأسف لم يكن ليتحقق من دون التدخل الضاغط للولايات الاميركية المسندة بقواتها وقوة ردعها وهيمنتها على البلاد.

ان صيغة التوافق واستمراريتها بتوصيفها المطبق حالياً رهن باستمرار مفهوم المحاصصة الطائفية. ولا يمكن لأحدهما ان يلغي الآخر بأي شكلٍ من الأشكال، او يُعطل آلياتها ومفاعيلها. ويبدو هذا الاستعصاء جلياً في ما نواجهه من أزماتٍ تتوالد وتحديات تنوش كل جانبٍ من جوانب الحياة السياسية والعملية الديمقراطية المتعثرة. ومن الاستحالة بمكان الجمع بين التوافق كمفهوم، والانفراد كنهج في الحكم، سواءً اتخذ هذا الانفراد، تحكم جماعة سياسية أو فرد متسلط، لان مثل هذا الانفراد في حالتيه يعني في التطبيق العملي الغاء الطرف الآخر، كمكونٍ ومصالح وتجليات، مما لا تطمسه تواطؤات افراد او جماعات من المكون المعني، تتكئ على مزاعم تمثيله. ويمكن تلمس هذا التناقض بين مصالح المكونات والمواقف المتعارضة معها لبعض مُدَعي تمثيلها وانحيازاتهم خارج أطرهم الطائفية والسياسية.

ان محاولة البحث في الازمات التي تعصف بالبلاد خارج هذا السياق، وكذلك السعي لايجاد حلول لها، لا يمكن ان يكتب لها النجاح ولا الحؤول دون إعادة إنتاجها بصيغ اخرى، أو وضعها في مواجهة استحقاقاتٍ من نوع صادمٍ متعارض مع الوحدة في إطار المجتمع او على مستوى الدولة. كما ان تجاوز مظاهر انتهاك صيغة التوافق وتعبيراته السياسية في الحكم، ليس سوى تجميد مؤقت للتناقض بينهما، مما يدخل في باب التعمية او التخدير السياسي. وازالة هذا التناقض لا تتم الا بإعادة النظر في الآليات المتعارضة معه في ادارة الدولة والحكومة، وانهاء مفاعيله وتصفية جذوره. ولا يحتاج ذلك الى منجمٍ او ضارب زار، فهي آليات انحرفت بمسار العملية السياسية نحو التحكم الفردي وكل ما تطلبه من إقصاء وتهميش واستنزاف للقوى وخرقٍ للدستور والقيم والمفاهيم الديمقراطية. وهذا الانحراف عن مفهوم "التوافق" اسس في ذات الوقت لإلغاء الديمقراطية وتجاوز محددات التوافق التي اشترطتها العملية السياسية من بداية إطلاقها.

والإمكانية الوحيدة للتخلي عن التوافق كمفهوم للمشاركة والحكم، تتحقق من خلال إلغاء الطائفية السياسية كقاعدة للحكم، وإرساء أسس الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، وتكريس مبدأ تداول السلطة سلمياً على أساس المواطنة الحرة المتساوية، وضمان الحريات وحقوق الإنسان.

اما المكابرة والطنطنة السياسية التي تتوهم القدرة على خلق آليات للحكم خارج سياق تناقضاتها الموضوعية، ووضعها في خدمة منظومة تتعارض معها، فلن يقود إلا إلى خيار الافتراق والتشظي بتمزيق وحدة المجتمع، ووضع الدولة أمام أخطار التقسيم، وهو ما يجري تداوله في المواجهة، تهديداً بتصعيد المطالب واستعداداً لفك الشراكة، كما لو ان العراق مزرعة عائلية معروضة في سوق النخاسة.

إن العيش المشترك واحترام "التنوع في إطار الوحدة" هو خيار الديمقراطية..

وغير هذا الخيار بكل كل آلياته، إنما هو ضربٌ من جنون السلطة وهوس الحكم، مصيره الانفلات أو الاستبداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram