لا أعرف عدد الصحف في العالم العربي بالضبط، لكن جاء في التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية بشأن الإعلام والصحف المتخصصة أن عدد الصحف اليومية في البلاد العربية يصل إلى 267 صحيفة: يتميز لبنان بعدد كبير من الصحف اليومية 59 تليه الجزائر 48 ثم السودان 32 والعراق 30 فمصر 15 فسوريا 11 فموريتانيا 10 فتونس 9 فالبحرين والسعودية والكويت 8 فالأردن 7 وعمان 6 صحف. ويصل عدد الحف الأسبوعية في العالم العربي إلى 507 صحيفة يصدر أغلبها في سوريا 107 صحف ثم العراق 75 ثم مصر 68 ثم لبنان 51 فالجزائر 50 فالأمارات 40 صحيفة. وتتربع مصر على قائمة الصحف المتخصصة 54 صحيفة تليها السعودية 29 فالكويت 23 فلبنان 22 فسوريا 12 فالعراق 8. هذه الأرقام تظل تجريدية إذا لم نأخذ بنظر الاعتبار ثقل ومقروئية الصحف المعنية، خاصة اليومية، وسياق اشتغالها
من بين ثلاثة بلدان عربية أو أربعة، يصير واضحاً أن بقية البلدان تنتج صحفاً رسمية وشبه رسمية ذات توجهات فلنقل محافظة، ينجم عنها أن الثقافة في صحافتها من دون تأثير قويّ، وبدون "مشاريع"، ولا أسئلة، ولا متابعات فعلية لما يدور خارج نطاقها المحلي.
الصحافة الثقافية المصرية معروفة بأنها تعيش حالة من الاكتفاء الذاتي، سواء على صعيد التوزيع، أو الإسهامات الإبداعية أو الانفتاح على التجارب العربية، إلا ما كان حدثاً مدوياً منها، قادما من الصحافة اللبنانية- الخليجية.
إما الصحافة الثقافية اللبنانية، فهي في حالة من القلق المشروع والالتباس، صعوداً وهبوطاً. إذ ثمة منابر عريقة تاريخياً ذات فعل يتجاوز الإطار المحلي ويضيء التجربة الثقافة العربية على أوسع نطاق. يُلاحظ علي بعضها الترهل والتكرار والإخوانيات في السنوات الأخيرة. وصحافة أخرى عريقة أيضا لم تعد معنية على ما يبدو "بالثقافة" لصالح قوانين التسويق "الماركتنك"، فأدمجت تقريبا الصفحة الثقافية اليومية بالمنوعات. بينما برزت صحافة ثقافية جديدة في بيروت لا تعنى البتة بالنص الإبداعيّ كالشعر والقصة، وتتمحور على عروض الكتب العربية بأقل من 300 كلمة، ونشاط المسرح والسينما والتشكيل والمشكلات والأحداث الثقافية الآنية.
في العراق لم يستطع العدد الكبير من الصحف التي تكرِّس، تقليدياً، صفحة ثقافية يومية كاملة أو أكثر، أن تُنتج على الدوام الحيوية المطلوبة ولا طرح الأسئلة الكبيرة التي تؤرق البلد. ما زال كثير منها يُدار بأقلام تنتمي إلى النسق الثقافي القديم برغم معارضته السياسية له، لأنه كان موضوعيا، ومن دون أن يريد، من نتائج ذلك النسق. بالطبع بالإمكان استثناء بعض المنابر المثابرة التي يعرفها الجميع.
المشكلة الكبيرة أن رأس المال العربي الخليجي قد ضخ أموالا طائلة من أجل صناعة صحافة عربية متطورة جمالياً، منفتحة شكلياً على الرأي الآخر، تستقطب خيرة الأقلام العربية، حتى الطليعية منها، لكن دائما بمشروع محدد لا تحيد عنه، ولا تسمح لأحد من محرريها بالخروج عليه، سواء في الشأن السياسي الدولي والعربي، أو بشأن الثقافة نفسها التي لا تحتمل مشروعا مفصَّلاً ببراعة كهذا. إن رأس المال العربي يجيّر أو يُصْمِت الثقافة لصالحه بطريقة نكاد نقول فذة، لأنها تُبعد الشبهات عبر أقلام ممتازة تقول نصف الحقائق، أو إسهامات مستفيدة مداوَرة من منابر أخرى يموّلها رأس المال هذا نفسه. وإذا لم نستشهد بمنبر ثقافي معروف مموّل من طرف رأس المال، فلسوف نستشهد بالقنوات الفضائية، مثل الجزيرة التي تضع الثقافة على آخر اهتماماتها. وإذا ما اهتمت بها فسوف تروّج للتقليدي، والدينيّ، وفي أحسن الأحوال للثقافة والكتب التي تسهم في مشروعها الثقافي المستتر وحده. لذلك لا برامج ثقافية في "الجزيرة". مشكلة عمل رأس المال في الحقل الثقافي أكثر تعقيداً بالطبع، وليس كل نتائجه بمثل هذا السوء.
تبدو الصفحات الثقافية في عيون بعضهم نافلة اليوم، لأنه لا يراها بعين مريحة، طالما أنها تقدّم الحجج والمشاريع المتعارِضة، في نهاية المطاف، مع مشروع التجهيل والاستهلاك السريع.