أمضى الوافد الجديد على وزارة الخارجية الأميركية جون كيري يومين في القاهرة..التقى خلالهما كل أطراف اللعبة السياسية و القوى المؤثرة و قيادات الجيش و المخابرات و مجموعة رجال أعمال و قيادات المجتمع المدني.. استمع الرجل من الجميع ..لكن السؤال الأهم
أمضى الوافد الجديد على وزارة الخارجية الأميركية جون كيري يومين في القاهرة..التقى خلالهما كل أطراف اللعبة السياسية و القوى المؤثرة و قيادات الجيش و المخابرات و مجموعة رجال أعمال و قيادات المجتمع المدني.. استمع الرجل من الجميع ..لكن السؤال الأهم ,ما مدى استيعاب و تأثير ما شاهده و سمعه كيري؟؟ من المؤكد أن أميركا اختارت التمسك بمصالحها و لو حتى على حساب الواقع الكارثي المصري.. سياسة رسم خرائط المنطقة وفقا للمصالح الأميركية التي اخترنا نحن لها اسم نظرية المؤامرة .
كيري أعلن اختيار بلاده الاستمرار في دعم نظام الحكم الإخواني ممثلا في محمد مرسي , رغم تآكل شرعيته الدستورية و الشعبية كل يوم.. لكن يبدو أن مشاهذ القتل و السحل و التعذيب الذي يمارسه نظام الإخوان على معارضيه لم يؤذ المشاعر الأميركية الرقيقة و لم يخدش تمسكها بمبادئ "الديمقراطية" -إنما فقط على طريقة ما لا يُخالف مصالح أميركا .
اجتماع وزير خارجية أميركا مع وزير الدفاع المصري لم يخرج عن نطاق بنود طمأنة إرادة الإدارة الأميركية التأكد منها ... عن نوايا تدخل القوات المسلحة في المشهد السياسي مستقبلا, استعداد الجيش للتدخل نحو تشجيع جميع أطراف الصراع السياسي على التهدئة و الحوار, و البند الأهم في الحوار دار حول الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء و ما يعكسه تصاعد عنف التنظيمات الجهادية هناك من مخاوف و قلق حيال أمن إسرائيل. و قد رفض وزير الدفاع المصري عرض كيري المساعدة الأميركية في إعادة الأمن إلى سيناء .
المثير للدهشة أن الإدارة الأميركية على الصعيد السياسي تأبى النخلي عن منطق استعلاء "الكاوبوي" و الاقتراب من أرض الفهم الواقعي للمناطق التي تؤكد أميركا ارتباطها معها بمصالح ستراتيجية خاصة مثل مصر.. و الدليل أن كيري أرسل في مهمة استكشافية قبل حضوره القاهرة موظفاً يفتقد أدنى معرفة عن مصر وأحداثها المشتعلة.. لذا قوبِل إصرار كيري على حث أطراف القوى السياسية المعارضة على المشاركة في الانتخابات البرلمانية, بعدم قبول- وصل إلى درجة المواجهة الحادة مع الوزير- من المعارضة.. فكل أجواء الاضطرابات و الانقسام السياسي الحاد التي أحاطت كيري في مصر تؤكد أن المناخ السياسي سيفرز أسوأ انتخابات تشهدها مصر.
عدم وجود حلول جادة لأزمات المشهد المصري في جعبة كيري هو ما جعله يلجأ إلى الضغط على الأطراف عن طريق ربط الإدارة الأميركية بين الملفين الاقتصادي والسياسي في تعاملاتها مع مصر.. وهو ما أكد ه حين ذكر أن دعم أميركا لطلب مصر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي مرتبط بإنهاء الصراع السياسي.. كيري يأتي مستعرضا عضلات "الكاوبوي" عن طريق أسلوب التهديد بدلا من الحلول السياسية لإخراج مصر من وضع كارثي ساهمت مصالح أميركا كثيرا في الوصول إليه .. و يبدو أن رهان إدارة أوباما على أن جماعة الإخوان هي التي ستحقق لأميركا الوضع المُراد لمصر أن تكون داخل إطاره .. وضع أشبه بقطعة إسفنج عائمة على سطح بحر, تكاد بصعوبة تحافظ على توازنها كي لا تغرق.. لكن الورطة التي لم تضعها المصالح ضمن حساباتها هي أن مجريات الأحداث أثبتت أن الشارع المصري أصبحت سرعة حركته و قوة اشتعاله تفوق إيقاع حركة أي حزب أو قوى سياسية.. خرج الشارع عن سيطرة التكتلات و عن الشعارات "السلمية" التي رفعها عنواناً لثورته منذ عامين .
هكذا تبدو تصريحات كيري المتناقضة حول دعوة المعارضة و حثها على المشاركة في الانتخابات البرلمانية متجاهلا الأسباب المنطقية للمقاطعة ،مثل غياب الإشراف القضائي و عدم وجود رقابة من منظمات دولية مما يفتح أبواب التزوير على مصارعها في إطار مناخ مُلبد بالفوضى لا يصلح أساسا لأي انتخابات .. و ينفي كيري في ذات الوقت انحياز أو دعم الإدارة الأميركية لطرف أو فصيل سياسي محدد!! بينما هو يأتي بكل وضوح حاملا رسالة تأييد لنظام حكم الإخوان , أما اسطوانة "الديمقراطية" المشروخة التي تعزفها أميركا ,هي فقط للاستهلاك العالمي.. إذ واقع الحال أثبت أنه لا يفرق معها شكل النظام في مصر سواء دكتاتوريا, دينيا, أو ديمقراطيا ..واشنطن لديها أهداف أهم و هي حماية وجود و أمن إسرائيل.. و ضمان مصادر البترول .. ولا يعنيها من يحكم و لا كيف تُحكم مصر طالما ضمنت هذه الأهداف .
*كاتبة عراقية مقيمة بالقاهرة