إن المعارضة السياسية تعد من البنى الاساسية في الانظمة الديمقراطية، بل وتعد المصدر الاساسي التي توفر للنظام السياسي الشرعية والمشروعية السياسية، فالتعددية الحزبية او بالاحرى الانظمة التنافسية غالبا ما توفر للجماهير خيارات متعددة في الحكم على المشاريع والرؤى السياسية للكيانات المشاركة في الانظمة السياسية، لذا من الصعب الحديث عن نظام ديمقراطي اذا ما غابت عنها المعارضة الفعلية، وذلك لأهمية مهام المعارضة في صناعة الضغط على الحكومة وتفعيل الرأي العام بحيث تمكن الجماهير من معرفة ما يجري على الساحة السياسية من احداث ومعطيات قد تؤثر بصورة مباشرة على المصلحة العامة للمجتمع.
ان المعارضة السياسية حق كفله كل الدساتير الوطنية وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فالتعبير عن الرفض أو المطالبة بالحقوق والحريات ضمن الحدود الدستورية ووفق الآليات والسبل المدنية شيء طبيعي في ظل الانظمة السياسية القائمة على اساس المواطنة وحكم المؤسسات. ان السؤال الذي يفرض نفسه في الحالة العراقية هو لماذا لا تريد الاطراف العراقية ممارسة وظيفة المعارضة في العراق الجديد، او هل ان الازمات الراهنة والسابقة هي افرازات لحالة الاحتكار السياسي وعدم توفير اجواء العمل خارج اطار السلطة، ان الواقع السياسي الذي مر به البلاد لأكثر من ثلاثة عقود قد فرض عقد سياسية على الكيانات السياسية وكذلك في ادبيات وعقلية النخبة السياسية والعقد عبارة عن الخوف من الآخر، والتحليل على اساس الشك والمؤامرة، واستمرار قاعدة الخوف من التهميش والرفض، واستمرار حالة الانتقام على أساس التاريخ، لذا اعتبر ممارسة المعارضة يعني التجريد من كل الحقوق والحرمان من كل الامتيازات، وذلك لان المعارضة السياسية ليس لها عنوان او مكان للاعراب في ظل النظام السياسي القائم على اسس محاصصة وفق اسس تقليدية لا تربطها شي بحالة المدنية وحكم القانون.
ان الحالة الحزبية في العراق بعد الاحتلال الامريكي هي حالة لم يشهدها البلاد من قبل من حيث التعددية وفسح المجال امام النشاط السياسي، إلا ان طبيعة ممارسة السلطة السياسية وممارسة عمل المعارضة السياسية تعاني من ازمة جوهرية في العراق، وذلك لتجرد الشعب العراقي من احقية المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي، صحيح هناك مشاركة سياسية شعبية من خلال الانتخابات في انتخاب السلطة التشريعية في العراق، الا ان المشكلة تكمن في عدم المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي من قبل الكيانات المشاركة في الحكومة العراقية، واحتكار القرارات من قبل رئاسة الوزراء في الوزارات السيادية، فالممارسة غير المسؤولة للسلطة السياسية ومحاربة الاطراف السياسية من قبل الاحزاب الحاكمة قد تفاقم الازمة لدى الاطراف العراقية من خوض المعارضة السياسية، ومن اجل التحرر من ازمات العراق في الوقت الراهن لابد من وجود السلطة السياسية الشرعية المنتخبة الى جانب معارضة سياسية قوية تصون حمايتها القانون والدستور بحيث تكون منبرا لصوت الجماهير ووسيلة للضغط على الحكومات القادمة لكي تعمل وفق ما يريده الشعب وليس العكس، فالنظام السياسي في العراق لكي يستقر يحتاج الى معارضة عملية وسلطة تحترم شرعية ومشروعية قرار الشعب في صناعة القرار السياسي وعلى النخبة والأطراف السياسية الاستجابة لضرورة ممارسة المعارضة في المرحلة القادمة.