اختصرت إحدى الندوات التي أقيمت كنشاط مصاحب لعروض مهرجان ابوظبي السينمائي الكثير مما يجب أن يقال عن السينما في بلدان ما زالت صناعة السينما فيها تواجه العقبات في العمل.
الندوة حملت عنوان (صناع أفلام عرب يتحدثون عن تجاربهم) وكان اختيارا موفقا لمدير البرنامج العربي في المهرجان الصديق انتشال التميمي للمشاركين في الندوة بوصف تجاربهم تلخيصا دقيقا لما تعانيه السينما العربية في كل مكان، حتى في الدول التي قطعت في صناعة السينما تاريخا طويلا، ذلك أن هذه التجارب تعكس هاجس جيل كامل من السينمائيين العرب في مختلف بلدانهم.
يسري نصر الله صاحب التجارب الطليعية في السينما المصرية، والذي لفت إليه الأنظار منذ منتصف الثمانينات من القرن المنصرم بأعمال سينمائية مثل (سرقات صيفية)، (مرسيدس)، (المدينة)، و(احكي ياشهرزاد) وغيرها والتي كان قد عمل قبلها مساعدا ومشاركا للمخرج الكبير يوسف شاهين في أفلامه؛ وداعا بونابرت، والقاهرة منورة بأهلها وغيرهما. تجربة هذا المخرج جديرة بالإعلان عنها، فالمخرج نصر الله كان أول من غرد لحن الاختلاف والمغايرة عن السائد في أفلامه في العقود الأخيرة من عمر السينما المصرية، بعد الموجة الجديدة لهذه السينما بداية سبعينيات القرن الماضي.. واستطاع بتجربته أن يوسم مرحلة مهمة في تاريخ هذه السينما بطابع المغيرة الذي اضطلع به عدد من شباب السينما المصرية، وهذا التأثير بتقديري ما زال ماثلا حتى هذه اللحظة.
تجربة يسري نصر الله تستحق وقفة خاصة وطويلة بوصفها تجربة متفردة في السينما العربية، خاصة وان التجارب الأخرى التي تعرفنا عليها في هذه الندوة لا تمتلك خصوصية وتجربة نصر الله وتاريخه الطويل وسينماه التي لا تخطئها ذائقة متفرج أو مجسات ناقد.
وإذا كنا ننأى بتجربة المخرج نصر الله عن تجارب الآخرين الذين شاركوا في الندوة بسبب الخبرة والتاريخ الطويل فان هذا لا يعني انها تجارب لا تستحق الوقوف عندها ، بل العكس أنها تجارب لخصت معاناة جيل من المخرجين الشباب.
فالملمح الأبرز في تجربة المخرج محمد الدراجي يتلخص في انه كان مع زميله المخرج عدي رشيد أول من اخذ على عاتقه شرف المحاولة في عودة الروح للسينما العراقية بعد توقف دام أكثر من عقد ونصف من الزمن، وهي تجربة اكتنفتها الكثير من المصاعب، فبينما كان عدي رشيد يستخدم في تنفيذ فيلمه (غير صالح للعرض) ما تخلف من رماد الحرب والتخريب بعد الاحتلال الأمريكي وسقوط الدكتاتورية، ليقدم مع زملائه الشباب فيلما جديرا بالمشاهدة وقبلها بالمحبة، كنا نتسقط عن بعد أخبار زميله الدراجي وهو يسجل أمتارا طويلة كوثائق ستكون في ما بعد عنصرا مهما في فيلمه (أحلام) الذي شارك ووفق في عشرات المهرجانات السينمائية.
وإذا كانت تجربة الدراجي ترتبط بما يمكن أن يصنعه من قلب الدمار والخراب، فان تجربة زميله الإماراتي نواف الجناحي لا تبتعد كثيرا سوى أنها تنفرد في أنها تحاول أن تصنع شيئا من لا شيء .. فهو من بلد ليس فقط انه لا يمتلك الحد الأدنى من صناعة السينما، وإنما يفتقد جذرا تاريخيا لهذا الفن، فكانت تجربته كمن ينحت بالصخر في بلد ما زالت تحكمه التقاليد الصارمة.. ومن هنا إصرار الجناحي كان الملمح الأبرز في هذه التجربة.. والتي منحته مع قلة من السينمائيين الإماراتيين امتياز المحاولة الأولى التي ستوثق في ما بعد بوصفها تجربة رائدة.
وليس بعيدا تجربة المخرج اليمني بدر؟؟؟؟ ولكن حالته ضعف الإمكانات وغياب الدعم الحكومي، وهي بالنتيجة سعي دؤوب الى بث الروح في بلد مثل اليمن.
والأمر مختلف مع كاتب السيناريو والمنتج المصري محمد حفظي الذي تؤسس تجربته لنهج جديد للسينما المصرية.
تجارب في صناعة السينما
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 05:25 م