-2-
غالبا ما تكون السيرة شاملة ، إذ يكون لديك حياة ،أفكار ، جوهر شخصية ، كلها في مكان واحد . وحياة فرد تكشف عن حقائق كونية عن الحالة الإنسانية . فالسيرة تنقص من إسطورة الشخصية ، فتجعلك تراها على مستوى إنساني أكثر ، في ضعفها وأخطائها
فالسيرة توفر لك الرؤية الأبعد بفضل ما أنجزه هؤلاء الناس . لا يمكن إنكار أن ليس كل سيرة حياة تدور حول (( عملاق )) ، لكن أغلبها كذلك . حتى لو كان الشخص محل السيرة جديرا بالإزدراء ولا يستحق الإعجاب والمديح ، فلا تزال هناك العديد من الدروس التي يمكن إستخلاصها من سيرته
في بعض السير نشاهد ما نبحث عنه، ولانعني هنا التوقف عند السيرة الحياتية والمهنية للشخصية موضوع الفيلم، فهذا ما توفره لنا الوثائق وكتب التاريخ بل عن الظروف التي تحيط بسيرتها، واستبطان اغوارها لاضاءة جوانب وتفاصيل عنها غير معروفة للمتلقي .
هذا ما فعله كلينت ايستورد في فيلمه الجديد (جي ادغار) الذي هو في ظاهره سرد لسيرة حياة مؤسس مكتب التحقيقات الفيدرالي لـ(FBI) الأميركي، وفي داخله الوقوف عند أهم المحطات في التاريخ الأميركي الحديث.الفيلم الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي الأخير وهو العرض العالمي الأول له يمسح خمسين عاما من التاريخ الأميركي من خلال شخصية (جي. إدغار هوفر) الذي ترأس مكتب التحقيقات الفيدرالية ووضع له تقاليد عمله على مدى هذه السنين، التي عاصر فيها ثمانية رؤساء وثلاث حروب. وقد استطاع المخرج ايستوود أن يقف في هذا الفيلم عند أهم المراحل المفصلية في التاريخ الأميركي الحديث على خلفية سيرة رجل كانت مهمته حماية بلاده وأسراره الشخصية التي وقف عندها الفيلم وبطريقة سرد مبتكرة بما يقدم إضاءات على جوانب مخفية من حياته وتاريخ بلاده، لم يكن هوفر يثق بأحد سوى دائرة ضيّقة مقربة منه تتمثل بسكرتيرته هيلين غاندي وزميله كلايد تولسون المطّلع على كل مشاريعه الاستخباراتية، ووالدته (جودي دينش).. وركز المخرج على فلسفة إدغار في العمل لخدمة بلاده التي ترتكز على طرق كل الأساليب لتبرير غايته... استعان ايستوود في هذا الفيلم بعدد من أهم الممثلين الآن، وفي مقدمتهم ليوناردو دي كابريو الذي قدم أحد أهم أدواره في السينما خاصة مع تقمصه شخصية إدغار في مراحل زمنية مختلفة تصل به إلى الشيخوخة، إضافة إلى المخضرمة جودي ديتش، وأومي هامر، ونعومي واتس.لم يكتف ايستورد في فيلمه هذا، بالوقوف عند هذه الشخصية الإشكالية التي تعد الأقوى على مدى أكثر من نصف قرن في دائرة القرار السياسي الأميركي، بوصفها شخصية فرضت حضوراً مهماً في أوساط مؤيدة ومعارضة، منحته قوة استثنائية في إبراز حضوره من خلال شبكة من العلاقات فرضها عمله في المكتب والتي جعلته يلج الأسرار الشخصية لأهم الشخصيات الأميركية. وربما كان ذلك احد أهم الأسباب التي جعلته في منصبه ما يقرب من نصف قرن، خلافاً للتقاليد الإدارية في بلده.نقول إن ايستورد لم يكتف بهذه الخلفية البانورامية عن شخصيته بل راح ومن خلال مونتاج ذكي أن يحفر في دواخلها لتتعرف عن إنسان يعاني عقدة الارتياب، أو من خلال إشارات تؤكد مثليته خاصة في علاقته مع زميله (كلايد تولسون) او في علاقة الحب المجهض مع أمينة سره (نعومي واتس)، أو من خلال السلطة المطلقة لامه عليه. في فيلمه هذا يكرس ايستورد أسلوبه في أفلام السيرة، الذي تجلّى بشكل واضح في فيلمين له هما (الطائر) عن احد أشهر عازفي السكسفون في أميركا، و(انفكتوس) الذي يتناول سيرة المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلاً.. وهو أسلوب يجعله ينفرد بهذا النوع من الأفلام.
السيرة في السينما
[post-views]
نشر في: 22 مايو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...