اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البيان التأسيسيّ لمدرسة البوهاوس

البيان التأسيسيّ لمدرسة البوهاوس

نشر في: 14 يونيو, 2013: 10:01 م

يمتلك البيان التأسيسيّ لمدرسة البوهاوس الشهيرة أهمية خاصة. فلأول مرة منذ عصر النهضة يجرى الإعلان الواضح بعدم وجود فارق بين الفنون الكبرى (العمارة والرسم والنحت) والفنون الصغرى (الحرف اليدوية كالنسيج والخزف). أو بعبارة أخرى لا فوارق جوهرية بين الفنان والحرفيّ. كلا المفردتين في اللغات اللاتينية يخرجان من أصل واحد (artiste, artisan)، وليس هذا هو الحال اشتقاقياً في الألمانية.
فحوى هذا البيان المقتضب، صار حدثاً كبيراً في وعي القرن العشرين وفي ذاكرة قرننا. وإذا ما قبلنا اليوم قبولاً بديهياً اعتبار السيراميكيّ فناناً بالمعنى العميق للكلمة، فقد تمّ الأمر بفضل مؤسِّس البوهاوس. قبل هذا البيان، لم يكن أحد تقريباً ليقبل بإلغاء الفوارق بين النشاط البلاستيكيّ المعتبَر راقياً وصافياً، والنشاط الحرفيّ المعتبَر نشاطاً تقنياً من الدرجة الثانية. لم نقرأ البيان في العربية إلا بترجمة غير معروفة مشكوك بمفرداتها الأصلية المحسوبة بدقة، وعلى رأسها مفردة (construction) التي تردّدنا نحن أيضا في اختيار الإنشاء والبناء والبنية لها، مفضليّن البناء، مميِّزين إيّاها عن فن البناء batîr. كان الأمر يتعلق بالنسبة لمعماريّ مثل والتر غروبوس، مُدبِّج البيان، بالعمارة في المقام الأول التي هي فن البناء دون شك. لكنه يتحدث عَبْر العمارة عن (الخبرة savoir-faire) التي على الفنان والحرفيّ كليهما اكتسابها. مفردة الخبرة دالة لأنها، بالفرنسية، مركَّبة، وتتكوّن حرفياً من (معرفة- عمل).
لعلّ هذا البيان من أقصر البيانات في تاريخ الفن العالميّ، حيث لا تتجاوز عدد كلماته بالفرنسية أكثر من 330 كلمة. وهو يستحق أن نقدّمه لقرّاء المدى ومتابعيها:
"الهدف النهائي من كل نشاط تشكيليّ هو البناء!. كان تزيين هذا البناء في الماضي، هو المهمة الأكثر تمايُزاً للفنون التشكيلية، التي هي الأجزاء المكوِّنة لفن البناء الكبير والتي لا يمكن فصلها عنه. اليوم تتمتع هذه الأجزاء باستقلالية تستطيع إظهارها كلها للعيان عبر عمل تعاونيّ، واعٍ ومشترَك من طرف ممثِّلي جميع أصناف الحرف. على المعماريين والرسّامين والنحّاتين أن يعاودوا تعلُّم معرفةِ وفهمِ كيف يأخذ البناء شكلاً مُرَكّباً، في المجموع وفي أجزائه، حينها ستمتلئ أعمالهم نفسها، من جديد، بالروح المعماريّ الذي افتقدته في فن الصالون.
لم تستطع مدارس الفن القديمة إنتاج هذه الوحدة، وكيف لها فعل ذلك طالما لم يكن الفن ملائماً للتعليم؟. يجب عليها اليوم أن تتوجّه ثانية صوب الورشة. على عالم المصمّمين والرسّامين أن يعود إلى فن البناء batîr. عندما يبدأ الشباب المغرمون بالنشاط التشكيليّ، كما كان الحال في السابق، بالتمرين على حرفةٍ ما، فإن " الفنان غير المُنتِج" لن يكون محكوماً عليه في المستقبل بنشاط مصطنَع غير مُكتمِل. عندما يكتسب مهارته عبر النشاط الحرفيّ فإنه يستطيع إنجاز أعماله الجليلة.
نحن المعماريين والنحّاتين والرسّامين علينا العودة جميعاً إلى العمل اليدويّ لأنه لا يوجد (فن احترافيّ professionnel). جوهريّاً، لا يوجد أيّ فارق بين الفنان والحرفيّ. الفنان ليس سوى حرفيّ مُلْهَم. بفضل نعمة السماء صار عمل يديه، في لحظاتِ إشراقٍ نادرة وبعيداً عن إرادته وبشكل لا واعٍ، فناً، لكن لا مندوحة لكلّ فنان عن أساس الخبرة (savoir faire). إنها أصل الإلهام الخلاق.
لنكوِّن إذنْ، شراكة جديدة من الحرفيين بدون غطرسة الفئات المنفصلة التي أقامت حائطاً من الكبرياء بين الحرفيين والفنانين. لنُرِدْ ولنتصوّرِ ولنبدعْ سوياً البناء الجديد للمستقبل، الذي سيضمّ الكلّ في شكل واحد: العمارة والتشكيل والرسم والذي سيرتفع بأيادي الملايين من الحرفيين نحو سماء المستقبل رمزاً بلورياً للإيمان الآتي. والتر غروبوس، فايمار، افريل 1919".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. يوسف التاصر

    اخي شاكر ، تحية طيبة ن شكرا لمقالك المفيد والجميل ، قد تكون ترجمة construction في بعض الحوال المفيدة، وربما هنا ، هي التكوين . شكرا لك يوسف الناصر

  2. يوسف التاصر

    اخي شاكر ، تحية طيبة ن شكرا لمقالك المفيد والجميل ، قد تكون ترجمة construction في بعض الحوال المفيدة، وربما هنا ، هي التكوين . شكرا لك يوسف الناصر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram