ابتعاداً عن السياسة، وعودة إلى الأنثروبولوجيا، والحكايات الشعبية التي تُسَخّر لأغراض التنشئة الاجتماعية. أريد اليوم أن أتوقف عند حكاية الـ"آفة".
كانت هناك، في زمن الإمام علي، شابة جميلة جداً، لكنها كانت تعاني من مشكلة كبيرة، فأي شاب يخطبها من الإمام ويتزوج بها، يموت في الليل وقبل أن يحدث بينهما ما يحدث بين العروسين، ولم يتمكن أحد من معرفة سبب موت العرسان بهذا الشكل المحزن، ولا حتى العروس.
لهذا السبب أخذ الإمام علي يحذِّر كل من يخطبها منه، وبعد أن راح ضحية الرغبة بهذه الحسناء شباب عديدون، خطبها قاطع طريق، ولما حذّره الإمام من مصير الموت، أجابه الرجل: بأنه يتعرض إلى الموت يومياً بسبب سلبه أموال الناس، فلماذا لا يتعرض له بسبب الزواج من فتاة حسناء؟
إذن، تم الزواج، لكن الغريب أن الصباح اصبح على الزوجين وهما تمام التمام وبكامل الصحة والعافية! وهنا شعر الجميع بالدهشة من غرابة القدر الذي ادَّخر هذه الحسناء لقاطع طريق! وهنا دخل الإمام على العروسين مبتسماً -في دلالة على أنه يعرف السبب لكنه يريد من الناس أن يتعلموا الدرس جيداً- وطلب من الزوج أن يروي له تفاصيل ما حدث في الليلة الماضية.
فقال الزوج: لم يحدث شيء مهم، غير أنني وقبل تناولي طعام العشاء طرق الباب فقير يريد طعاماً لعائلته، فوهبته مائدتي، فأعدّت زوجتي ما بقي في البيت، لكنني اضطررت الى التخلي عنه لعجوز قالت بان صغارها يتضورون جوعاً حول قِدْرِها الفارغة، وهنا اضطرت زوجتي إلى جمع ما تبقى في البيت من الفتات وبقايا الطعام، لنتناوله، لكنني تخليت عنه أيضاً لصغير طرق علينا الباب وقال بأنه يُعيل أبوين عاجزين، لذلك نمنا أنا وزوجتي جائعين.
عند هذا الحد، حرّك الإمام سرير نومهما وإذا بأفعى هائلة -أو "آفة" كما يسميها الراوي- ساكنة لا تتحرك، فسألها الإمام عن سر تركها هذا العريس سالماً دوناً عن البقية؟ فقالت له: لقد كسَّر، تخليه عن المائدة الأولى أنيابي، وأعمى تخلّيه عن الثانية بصري، أما تخلّيه عن الثالثة فقد كَسَر ظهري وتركني عاجزة.
المغزى يا أصدقائي، أن الناس يحتاجون دائماً أساليب تضمن لهم التكافل الاجتماعي وتحمي الفقراء بينهم، وعندما لم يكن هناك قانون، ولا مؤسسات، للضمان الاجتماعي، جاءت هذه الحكاية الشعبية، وأمثالها، لتخيف الأغنياء أو تغريهم بالتخلي عن جزء من ثروتهم للجياع، اليوم يوجد بيننا الكثير من اللصوص، ممن سرقوا أموال الفقراء وتسببوا بتمايز طبقي هائل، ومع ذلك لا توجد لدينا آليات تكفل لنا إطعام الكثير من الفقراء ممن تلجئهم الحاجة، بعض الأحيان، إلى البحث عن الطعام في المزابل، لذلك نحن بحاجة لنشر الأفاعي تحت أسرَّة لصوصنا.
بحاجة إلى أفاعٍ فتّاكة
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2013: 10:01 م