اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مواضيع الفن التشكيليّ الساخنة: في الحجاب والتحجّب

مواضيع الفن التشكيليّ الساخنة: في الحجاب والتحجّب

نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م

قبل أن نسأل الفن التشكيليّ العراقي عن سبب تجاهله اليوم لمواضيع بعينها، لنلقي تحيةً للفنان التونسيّ منذر مطيبع.
إن تنصيبته (الأنستيالاسيون Instalation) الفوتوغرافية المعروضة حالياً في صفاقس، تفوح برائحة اللحظة التي تَشْغِل بال الثقافة العربية، وخاصة الفنانين فيها: العلاقة الغامضة الفاتنة مع الجسد الأنثويّ التي يُراد طمسها أو تدجينها بالعنف الفعليّ والرمزيّ كليهما. لنقلْ عرضاً أن ثيمة الجسديّ جوهرية في تاريخ الفن، لأنها نوع فنيّ يتمّ عبره التعبير عن بعض الهواجس في الوجود، وتمرير العديد من المفاهيم الأصلية الكبيرة.
لا نتعاطى عمل مطيبع إذنْ بصفته استفزازاً جمالياً للوعي المعاديّ للذة الجسدية المراد تعميمه اليوم، ولكن بصفته انشغالاً على موضوع عريق يُستعاد في لحظة مواجهة صعبة بين عالم احتفاليّ، يأخذ الجسد ذريعة لتعبيراته الجمالية، وعالم نقيض، آخروي لا يفهم الموضوع إلا بصفته من الزائل وتذكيراً بالموت. ينحاز مطيبع إلى الحياة.
من هنا هذه العودة إلى مفردات الطبيعية، الرحم الأول، ومن هنا استعادة الفواكه والأزهار، خاصة البرتقال، التي ترغب بتذكيرنا بالطريّ والمستدير والفوّاح الذي يمكنه أن يكون مجازاً للالتماعات المنعشة والمكوَّرة على البشرة الآدمية، الأنثوية التي هي قطعة نقية من الطبيعة ذاتها.
لكن أشكال (الطبيعة) هذه التي تحلّ محلّ أعضاء بعينها: البرتقال يصير مجازاً للأثداء في الغالب، تظهر دائماً ملفوفة بالقماش الشفّاف، تريد الانبثاق عبره، ومنه ترتجف التماعاتها الذهبية، كأنها استعارة لحجاب أسود يمنعها من الحضور في العالم.
الأزهار أيضا سجينة خيوط نسيجية شفّافة، تسعى للبزوغ عبرها إلى الضوء، العين الآدمية تنظر كذلك كالسجينة عبر السدى واللحمة. ثلاثة خيارات: البرتقال، الأزهار، العين البشرية، تشكل في نهاية المطاف سلسلة رمزية بالأحرى للتعبير عن سجن كونيّ تجد أشياء الطبيعة البديهية غير المصنوعة نفسها فيه أسيرة شبَكٍ محبوكٍ ومُحاكٍ. حتى الخيارات اللونية الواقعة في التضاد الحاد بين اللون البرتقالي واللون الأسود، والألوان الصريحة الفاتحة جوار الألوان الصريحة الغامقة تذهب بالاتجاه نفسه.
تفاصيل وتركيب هذا العمل تطرق أبوابَ إشكاليةٍ ملحّة، وتلمّح إلى الممكن (هنا) و(الآن) أثناء صعود المدّ السلفيّ المُعادي للجسد.
وبقدر ما يُلامس الأمر الفن التشكيلي في العراق، فإن غياب المواضيع التي تضعها تحت تصرف الفنان العراقيّ المتغيرات الاجتماعية والمشهدية، كالطقوس الدينية الضاجّة، وتحجُّب النساء المرئيّ عياناً، والخراب اليوميّ، والموت الصدفويّ، وفوضى العمارة بجداراتها الإسمنتية، وتقلُّص فضاءات المتعة الفردية والجماعية، والمتغيرات الإيكولوجية شديدة الوطأة على الحياة اليومية، والخضوع لظلام دامس جوار شمعة في قيظ العراق، بل اللذة الحسية الغائبة في هذا السياق المُشْبَع بالروح الميتافيزيقي (وهو ما يعالجه مطيبع) وغيرها، يمكن أن تكون مواضيع في غاية الحيوية للفن البصريّ، طالما أنها تَمنح مادة خام للمعالجة الشخصية.
وإذا لم يستطع المرء تجاهُل معالجات كاظم حيدر لشهادة الحسين التي بقيت شبه فريدة في التشكيل العراقيّ بسبب انهماكها بالبعد الجماليّ قبل أي بعد عقائديّ، فإنه لا يستطيع بالقدر نفسه أن ينسى أن الفن العراقيّ الحالي يخشى الاقتراب من ثيمات مشابهة وبالروح الجماليّ وحده، ويتجنب بإصرار، مواضيع الجسديّ المطموس بالحجاب، المضاف له تحجيب العمارة في بغداد عبر جدارات عالية، وهو موضوع ثري آخر، وغيرها من المشكلات البصرية المحض التي تقدِّم، في نهاية المطاف، إمكانات عريضة لمساءلة تشكيلية ومفهومية في الوقت نفسه.
هل نجانب الصواب لو استنتجنا أن ما يُنْتج اليوم من أعمال، يقدّم، في الغالب، أفراحاً متخيَّلة، بمعالجاتٍ لونية إغوائية، تدور في فلك بعيد عن المواضيع التي يمكن أن يقدّمها الواقع بسخاء للفن، دون أن يكون الأخير واقعياً بالمعنى المعروف للكلمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram