TOP

جريدة المدى > عام > سليم يوسف قبعين.. عاشق الأدب الروسي الأول

سليم يوسف قبعين.. عاشق الأدب الروسي الأول

نشر في: 8 يوليو, 2013: 10:01 م

بدأ تشيخوف دراسته في كلية الطب بجامعة موسكو عام 1880 وتخرج فيها عام 1884 واصبح طبيبا, ولكنه لم يستمر بعمله في مجال الطب وانتقل الى الأدب الذي عشقه وكرس حياته له , وهكذا اصبح أديبا عالميا كبيرا, وقال تشيخوف مرة – وكان يمزح كعادته – ان مهنة

بدأ تشيخوف دراسته في كلية الطب بجامعة موسكو عام 1880 وتخرج فيها عام 1884 واصبح طبيبا, ولكنه لم يستمر بعمله في مجال الطب وانتقل الى الأدب الذي عشقه وكرس حياته له , وهكذا اصبح أديبا عالميا كبيرا, وقال تشيخوف مرة – وكان يمزح كعادته – ان مهنة الطب هي ( زوجته ) اما الآداب فهي ( عشيقته ),واجابة على التساؤلات التي أمطرني بها الاصدقاء والزملاء عن سبب نشري في السنة الماضية عشرات المقالات حول الأدب الروسي, أود ان اقول لهم ما قاله تشيخوف( مع الفارق الكبير والشاسع طبعا بيني وبين المبدع الكبير تشيخوف) ,ان العراق أمي وأبي وروسيا زوجتي وآدابها عشيقتي, واود ان اقول لهم ايضا , باني بدأت بحملة للبحث عن زملائي في مهنة ( العشق ) هذه , ووجدت ان الفلسطيني سليم يوسف قبعين ( 1870 فلسطين – 1951 مصر) هو واحد من رجالات هذا العشق للأدب الروسي وانه يعد بحق من اوائل عشاق هذا الأدب في عالمنا العربي , وأريد ان اقدمه للقارئ  وأتحدث عنه قليلا , كي لا يتهمني الأصدقاء والزملاء باني (العاشق الوحيد) في هذا المجال, علما ان هناك عشاقا آخرون كبار, يستحق كل واحد منهم ان نقدمه للقراء ونتحدث عن انجازاته.
ولد سليم يوسف قبعين عام 1870 في مدينة الناصرة بفلسطين, ودرس في المدرسة الروسية الفلسطينية الارثذوكسية في تلك المدينة , ثم أكمل دراسته بعدئذ في دار المعلمين الروسية في الناصرة ايضا , ثم بدأ بالعمل في المدرسة الروسية الفلسطينية مدرسا, وانتقل عام 1897 الى القاهرة , وأصدر هناك صحفا ومجلات مختلفة , وقام بنشر سلسلة من الكتب وأسس مطبعة للنشر, واستمر في نشاطه الفكري هذا في مصر الى حين وفاته في القاهرة عام 1951
لقد اعطت المدارس الروسية الارثذوكسية في فلسطين , والتي تم تأسيسها في القرن التاسع عشر, مجموعة من المتخصصين في اللغة الروسية وآدابها, والتي اسهمت بترجمة هذا الأدب الى اللغة العربية مباشرة عن اللغة الروسية (وكم هو مؤسف ان هذه المدارس قد توقفت بعد ثورة اكتوبر 1917) , ولعل ابرز تلك الاسماء هو الاديب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمه , ويعد سليم يوسف قبعين ايضا واحدا من تلك الاسماء بلا شك, الذي اصدر العديد من الكتب حول الادب الروسي , ويرتبط اسم قبعين قبل كل شيء بتولستوي, والذي كان اكثر من معجب به, اذ يمكن القول انه كان من انصار افكاره وفلسفته لدرجة انه حاول ان يؤسس في مصر مزارع تعاونية على غرار ما كان يحدث في روسيا آنذاك من قبل أنصار تولستوي , الذين حاولوا تطبيق آرائه بالحياة في القرية وتأمين احتياجاتهم الحياتية عن طريق العمل اليدوي في الارض مباشرة , وهكذا اصبح قبعين اول عربي يصدر كتابا عن تولستوي وكان بعنوان – ( مذهب تولستوي )عام 1901, وهو عنوان مثير يوحي للقارئ ان تولستوي قد جاء بمذهب جديد محدد الأبعاد , ولكن هذا الكتاب في الواقع كان يتضمن ترجمة لثلاثية تولستوي – ( الطفولة / الصبا / الشباب ), ولكن تلك الترجمة كانت بتصرف كبير جدا قام به المترجم انطلاقا من حبه لتولستوي واعتزازه به  ومحاولة لنشر افكاره وفلسفته ورسم صورة مثالية له , واصدر قبعين بعد ذلك كتابا آخر لتولستوي بترجمته وهو قصة تولستوي المعروفة – ( لحن كريتسر) عام 1904 ومارس نفس التصرف في ترجمته تلك حتى في العنوان اذ انه اضاف اليه كلمتي- ( الوفاق والطلاق)     لدرجة  ان المستشرقة الروسية آنا اركاديفنا دولينينا كتبت مقالة عن ذلك واعتبرت هذا التصرف غير صحيح من قبل المترجم لنص تولستوي, ولم تأخذ هذه المستشرقة بنظر الاعتبار منطلق سليم يوسف قبعين  في تلك السنوات , عندما كان العالم العربي يرزح تحت حكم الامبراطورية العثمانية , وانه كان بأمس الحاجة الى أصوات تتكلم عن مبادئ جديدة و كان المترجم وغيره من المثقفين يحاولون – كل حسب امكانياته وموقعه – ان يبشر بها وينشرها بين القراء العرب آنذاك وخصوصا الموقف من المرأة وتحريرها وقضايا الزواج والطلاق في الشرق العربي. لقد استعان سليم يوسف قبعين بتولستوي من اجل ان يقول كل تلك الآراء ويعلنها, ولكن المستشرقة اعتبرت ذلك خرقا لقواعد الترجمة وامانتها الاكاديمية, وربما يمكن القول الآن, ان قبعين كان على حق فيما ذهب اليه انطلاقا من روح عصره , وان المستشرقة كانت على حق ايضا عندما انتقدت هذا التصرف في ترجمته تلك انطلاقا من روح عصر آخر. أستمر سليم يوسف قبعين في مسيرته تلك , واصدر عام 1904 كتابا آخر عن تولستوي بعنوان – ( انجيل تولستوي وديانته) وهو ترجمة ايضا لمواقف الكاتب الروسي تجاه الكنيسة وطقوسها واحكامها , والتي عارضها تولستوي كما هو معروف لدرجة ان الكنيسة الروسية اعلنت موقفها الصريح ضده , والتي ادت في نهاية المطاف الى رفض الكنيسة دفن تولستوي حسب تعاليمها وطقوسها, وعاد قبعين الى هذا الموضوع مرة اخرى عام 1909 واصدر كتابا جديدا حول موقف تولستوي وافكاره الدينية بشأن جهنم , وفي تلك السنة ايضا اصدر ترجمة لمسرحية تولستوي – ( سلطة الظلمة ) , وبعد 3 سنوات ترجم كتابا آخر لتولستوي بعنوان (حكم النبي محمد ) , وهو كتاب شهير ترجمه تولستوي  نفسه عن الانكليزية للباحث الهندي عبد الله السهروردي, وتكمن أهمية هذا الكتاب قبل كل شيء للقارئ الروسي طبعا , اذ توجد هناك مجموعة مختارة من الاحاديث الشريفة لنبينا الكريم محمد (ص), والتي أدهشت تولستوي بعمق مضامينها , والتي اراد ان يعرضها للقارئ الروسي ويبين له سبب احترامه الكبير والهائل لشخصية الرسول العربي ومكانته المتميزة , وقد انتبه قبعين الى ضرورة ان يقدم هذا الكتاب للقارئ العربي كي تكون الافكار الدينية لتولستوي متكاملة امام هذا القارئ , وهو موقف موضوعي وعلمي رائع من قبله. واصدر المترجم عدا تلك الكتب إصدارات أخرى في الأدب الروسي , منها – ( انشودة الحب ) لتورغينيف , و ( ربيب بطرس الاكبر ) لبوشكين, و ( قصص روسية ) لغوركي, و ( قصص ) لتولستوي, و(من اعلام القصة الروسية ), ولم يقتصر نشاط قبعين على الادب الروسي وحسب, بل شمل ايضا التاريخ الروسي, واصدر عدة كتب في هذا المجال منها كتاب بعنوان ( تاريخ آل رومانوف ) وكتاب آخر بعنوان ( مصرع القيصر نيقولا آخر قياصرة روسيا).
سليم يوسف قبعين – واحد من رواد المثقفين العرب, الذين درسوا اللغة الروسية واتقنوها , وترجم عنها الى العربية , وقدٌم للقارئ العربي تولستوي  فيلسوفا ومفكرا وفنانا قبل كل شيء, وعرض لهذا القارئ كذلك صورة واسعة لادب روسيا وتاريخها وحضارتها في زمن لم يكن هناك اي تصور لدى العرب عن ذلك تقريبا, ولهذا فانه  يستحق ان ندرس ترجماته وتراثه ونحدد مكانتها اللائقة بها ونقدمها للقارئ المعاصر حسب ابعادها الحقيقية التي تتلائم مع روحية ذلك العصر البعيد وخصائصه, ومن حقه علينا ان نؤرشف تراثه ونعيد نشره مع شرح وهوامش تشير الى تلك الإضافات التي ادخلها بين سطور ترجماته , كي تتعرف الاجيال الجديدة على هذا الجهد الفكري لهذا المثقف الكبير, الذي كان يجسد تلك المرحلة المبكرة في مسيرة ثقافتنا وتفاعلها مع ثقافة العالم من حولنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعليق نيابي بعد استضافة السوداني في البرلمان

بالصور| زيارة سفيرة العراق لدى السعودية صفية السهيل إلى معرض العراق الدولي للكتاب

الدولار يرتفع مع إغلاق البورصة

11 محافظة عراقية تعطل الدوام الرسمي يوم غد الخميس

البرلمان يقرر استمرار جلساته ليوم غد والأيام المقبلة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

في مهرجان الخريف.. أعمال تجمع بين التعبيرية والتجريد والسريالية

موسيقى الاحد: مئوية پوچيني

ثرفانتس مؤاخِذًا

في معرض(انتباه): ثلاث رؤى تثير الانتباه

حديقة لينينغراد المحرّمة

مقالات ذات صلة

تساؤلات عن موت الفلسفة والفلاسفة
عام

تساؤلات عن موت الفلسفة والفلاسفة

جوني ثومسُنترجمة: لطفية الدليميسؤال عبر البريد الألكتروني:تحياتي سيد ثومسُنلماذا لم يظهر لنا فيلسوف كبير (على شاكلة كبار الفلاسفة الذين نعرف) حديثاً؟ تبدو الفلسفة المعاصرة بكلّ أشكالها وكأنّها لم تعُدْ مصدر جاذبية فكرية لمعظم الناس...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram