TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صباح الخير يا رعاة الفن

صباح الخير يا رعاة الفن

نشر في: 26 يوليو, 2013: 10:01 م

ذات مرة سألت امرأة هولندية عجوزاً وأنا أهم بتغليف لوحة كانت قد أشترتها مني قبل قليل وقلت لها ، ما الذي أعجبك في اللوحة ، وما الذي يعجبك في الفن بشكل عام وتقتنين اللوحات بسببه ؟ فردت عليّ بقولها ( لقد تعلمت ومعي الكثيرين أن نتكاتف مع الفنانين وأن نقتطع جزءا مما نملكه كي نقتني الأعمال الفنية ، لأن الفنان يجب أن يعيش أيضاً ويستمر بفنه ، كما نستمر نحن كذلك في التمتع بالجمال ) . كان هذا درساً بالنسبة لي في تواصل الناس مع ما يقوم به الفنانون ، أنها التفاتة أخلاقية إزاء ما يقدمه البعض من ابداع في بلد يقدر الجمال والفن ويعطيه جزءا من قوته ومدخراته . طريقة التفكير هذه ليست جديدة هنا ولا وليدة هذه السنوات ، ولو نظرنا الى الطريق المؤدي نحو تاريخ الفن جيداً فسنرى أمثلة باهرة لرعاة الفن ومحبيه ، وبسببهم أثمرت مواهب كثيرة عن أعمال إبداعية مهمة ومؤثرة . ألم تكن الكاتبة جيرترود شتاين شخصية مهمة في تاريخ الفن ؟ ، هي التي ساعدت بيكاسو في بداياته واقتنت منه أعماله لأنها مؤمنة بموهبته الكبيرة والمختلفة . ألم يكن بروياس شخصية مفصلية ومؤثرة في فن الرسم الفرنسي ؟ حين ضيف الفنان كوربيه ووفر له كل شيء كي ينتج أعمالاً عظيمة ، برغم أن هذا الأخير كان فناناً مثيراً للجدل ، ليس فقط بسبب طريقته في الرسم ، بل بسبب مواقفه وجرأته واعتداده الكبير بفنه ونفسه ، هذا الفنان المتمرد على التقاليد البرجوازية وأساليب الرسم آنذاك ،والذي وصفه الناقد جاك فلام بهذه الكلمات ( يحتل غوستاف كوربيه في تاريخ الرسم مكانة الجد العجوز غريب الأطوار، الذي يحار المرء هل يزهو به أم يعتذر عنه ) ) ، هل كان بقدرته أن يصل الى هذه المكانة الفريدة من خلال موهبته فقط ؟ تاريخ الفن يقول لنا غير ذلك ، فقد كان هذا الفنان محظوظاً بتعرفه على الفريد بروياس ، هذا الرجل الثري الذي يغدق على الفنانين ويرعاهم ، وقد أهتم بكوربيه كثيراً وحلّ كل مشاكله المالية لأنه كان مؤمناً بشكل لا يقبل الشك بعبقرية هذا الرسام . لكن كوربيه من جانبه ردّ جميل صديقه الغني أيضاً وبطريقته الخاصة – بيكاسو فعل ذلك أيضاً مع شتاين - حيث رسمه في واحدة من أعظم لوحاته وأشهرها وهي لوحة ( صباح الخير سيد كوربيه ) والتي كان أسمها ( اللقاء ) في البداية . يظهر بروياس في اللوحة وهو يستقبل صديقه الرسام القادم الى مونبلييه جنوب فرنسا ، حيث يبدو وهو يشير بقبعته للترحيب بصديقه الفنان ويقف خلفه خادمه الذي ينحني بكل احترام بحضور الرسام الشهير .
تقدير الفن والاهتمام به له علاقة بقرون من ممارسة الفن والانحياز التدريجي نحو الجمال ، رغم أن ذلك يتخلله شيئ مما يقوم به السماسرة والأدعياء أحياناً ، لكن الفن الحقيقي هو الذي يظهر ويبقى في النهاية رغم بعض الإخفاقات التي تحدث هنا وهناك .
هل يمكننا يا ترى أن نقارن ذلك بما يحدث في بلداننا العربية وكيف ترعى الفن وتهتم به ؟ هل نجرؤ على عقد هذه المقارنة حقاً ؟ ربما يكون هناك أشخاص معدودون يقومون بذلك الاهتمام ، لكن الغريب مع الأسف الشديد ، هو أننا لا نملك ثقافة أو تقاليد واضحة المعالم لاقتناء الأعمال الفنية أو مساندة الفنانين من قبل الناس أو حتى المؤسسات الرسمية ، والأغرب من ذلك أن الفنانين مازالوا ينتجون أعمالاً مهمة لا يقتنيها أحد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. قارئه

    لااعلم لمَ امتلأني الشعور بالألم وانااقرأ نصَّ العبارة لجواب العجوز الهولندية التي احالت الاهتمام بالفن والجمال إلى مسألة التزام مشكِّلا فيما بعد عبئا يعتاش على موائد الأخرين ، كم نتمنى ان يكون الجمال حاجة ذاتية تنبع من الاحساس بضرورة التمتع بالجمال للجما

  2. م. سامي علاوي كاظم

    بقلم المهندس سامي علاوي كاظم المقال جميل يتطرق الى علاقة المجتمع بالفنان. وبرأيي الشخصي ان المجتع المتقدم ينتظم افراده كأنتطام جزيئات المغناطيس فتصطف الجنوبية الى الجنوب والشمالية الى الشمال وبهذا يتولد قطب جنوبي مغناطيسي قوي الجذب , ويتولد قطب شمالي قوي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram