كاظم الواسطيهنالك شبه إجماع بين الساسة العراقيين وفيما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة على أن بعض دول الجوار ضالعة بشكل مباشر أو غير مباشر في التداعيات الأمنية ، وأعمال العنف التي يتعرض لها العراق منذ عملية التغيير في التاسع من أيلول عام 2003 ،
ولايمر يوم بدون أن نسمع فيه تصريحا لهذا السياسي أو ذاك وهو يشير إلى حجم التدخل الإقليمي في شؤون العراق الداخلية ، مطالبا الحكومة باتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحد من هذه التدخلات وكشفها أمام الملأ ، بل أن يتم تسهيل عمل السلطة القضائية لتطبيق العدالة بحق منفذّي الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي . إلى هنا لا غبار على مثل هذه التصريحات في اتجاهها العام ، ولكن الشيء الذي يدعو للدهشة والريبة هو ما أن تخرج هذه ( التدخلات ) من مجازها التجريدي غير المحدد بمسميات معينة ، وتدخل إلى واقع التشخيص للجهات التي تقف وراءها ، باعترافات المنفذّين أنفسهم ، أو بتصريحات حكومية تُطلق على ضوء التحقيق ، حتى يتبارى هؤلاء الساسة ، المنتخبون من الشعب العراقي لحماية العراق! ، بالنقض والتأييد وحسب الجهة المتّهمة بهذا التدخل أو ذاك،كما لو أن الأمر لا يتعلق بعراقيين يتعرضون للقتل الوحشي ، ولا بعراقٍ يُراد له الخراب الشامل . وتتحوّل منابرهم ومؤتمراتهم الصحافية لتبرئة هذه الجهة واتهام الجهة الأخرى كما لو أنهم قضاة استكملوا الإجراءات القانونية التي تؤهلهم للنطق بالحكم الأخير . ولو كان هناك ولاء حقيقي للدم العراقي المستباح ، لتريث هؤلاء الساسة في تكذيب بعضهم البعض دفاعا عن هذه الجهة أوتلك في موضوعٍ يخص العراق كله . ولكن يبدو أن الأمر أكبر من القدرة على إتخاذ موقفٍ وطني مستقل خارج أجندات اللعبة الاقليمية والدولية التي تُريد تشكيل الخارطة السياسية في العراق على وفق مصالحها . كيف ينظر المواطن العراقي إلى مزايدات ، ونزاعات ساسته حول جهات خارجية تستهدف أمنه واستقرار بلاده؟ وبماذا يُفسر السياسي إعتراضه على اتهام جهة معَيّنة بالوقوف وراء بعض التفجيرات بالرغم من وجود اعترافات على قسم منها ، وضبط أسلحة معروفة المنشأ في القسم الآخر ومعظمها يتم عرضه في وسائل الإعلام ؟ ألا يفكّر هؤلاء الساسة بأن انقسامهم بين مؤيد ومعترض على هذه الدولة أو تلك يتم على حساب دم العراقيين الجاري في أنهارٍ جفّفت مياهها دول من الجوار كي تستوعب المزيد من هذه الدماء ؟ أليس من حق هذا المواطن أن يسأل أين العراق في مواقف تتنازع على ولاءات خارجية ؟ وكيف يُفسر حماسة الدفاع عن هذه الولاءات ، والتبرئة التي تتم بسرعة البرق لمن يُتهم بالتدخل في شؤون العراق ، وقتل العراقيين؟ علينا جميعا أن نضع العراق المبتلى بالموت ورائحة الدم في عيوننا وقلوبنا قبل أيّ شيءٍ آخر ،كي تكون تصريحاتنا ومواقفنا منصفة لضحايا هذه الجرائم الكبرى ، وكي نكون عراقيين حقاً ،وبمستوى مسؤوليات المواطنة الحقة .
بقعة ضوء: السياسيون والمسؤولية الوطنية
نشر في: 6 نوفمبر, 2009: 04:26 م