ما نترجمه عادةً في العربية بالمحبوبة والمحبوب هو مفردة فرنسية مركَّبة (bien-aimé) ظهرت في الفرنسية عام 1417، وتعني الأعَز، المُفضَّل على الجميع. ونقيضها (mal-aimé) التي لا نجرؤ على ترجمتها بالمكروه، إنما بـ "المحبوب بشكل سيئ"، أو بصعوبة "غير المحبوب". هذا المدخل الاشتقاقيّ يتعلق بمفهومين وموقفين من الحب في ثقافتين مختلفتين.
في القاموس العربي، لسان العرب، لا تبدو المحبوب في النطاق الدلاليّ ذاته، فهي تُوْضَع في تضادّ حادّ مع المكروه "في حديث عبادة: بايَعْتُ رسول الله على المَنْشَطِ والمَكْرَه؛ يعني المَحْبوبَ والمَكْروهَ" أو "إنما سُمّيَ الشرُّ مَكْروهاً لأَنه ضدّ المحبوب".
وحسب استقصاءاتنا لم تظهر مفردة (المحبوب) و(المحبوبة) في المعلقات الشهيرة. لذا يمكن الزعم أن العربية لم تستخدم المحبوب بمعنى المُحَبُّ – بفتح الحاء- إلا في فترة متأخرة نسبياً، مثلما في كتاب الجاحظ "الحبيب والمحبوب والمشموم والمشروب" وفي استخدامات المتنبي: "أَنـتَ الـحَبيبُ وَلَـكِنّي أَعـوذُ بِهِ مِـن أَن أَكـونَ مُـحِبّاً غَيرَ مَحبوبِ". وفي الشعر الصوفيّ بالطبع.
لعلّ "كتاب الزهرة" لأبي بكر محمد بن داود الظاهري المتوفي عام 909م، من المصادر الأساسية في المُحِبِّ والمحبوب، جوار كتاب ابن حزم الأندلسيّ.
كان شخص المحبوب مُتَشَيِّئاً تقريباً، وكان بشكل عام موضوعاً لجميع الخيالات والأحلام والرغبات والإسقاطات الذكورية. كان المحبوب سالباً، يقع الفعل عليه ولا يقوم بفعل مماثل إلا نادراً. مع ملاحظة أن (المحبوب) بالمذكِّر استخدمت كثيرا في مخاطبة (المحبوبة). وفي الأوقات المتأخرة اتخذ استخدام المفردة طابعاً مِثليّاً، كما في قول عبد الغني النابلسي:
أقسمت عليك أيها المحبوب
أن تسمح لي فوصلك المطلوب
أرسل منك القميص مع ريح صبا
يا يوسف عصرنا أنا يعقوب
إن وفرة حضور مفردة المحبوب والمحبوبة في الشعر العربيّ، لا يعني بالضرورة، على المستوى السوسيولوجيّ، تقديراً عملياً عميقاً للنساء أو مشاركتهن الفاعلة العلنية الحرّة في النشاط العاطفيّ مثل أقرانهن الرجال، إلا في حالات نادرة، وفي أوساط محدّدة كالإماء والجواري. الأدب العربيّ يتأرجح بين مُحِبٍّ ومحبوب مُعْلَنين بكثرةٍ في الشعر، وريبة وإخفاء مُضْمر أو صريح للنساء. لا توجد مفردة واحدة في القاموس العربي تعادل المفردة ذات الأصل اليوناني (misogynie) التي تعني الشخص كاره النساء. وتتكون من (misos) = حقد و(gyné) = امرأة والأخيرة نجدها حتى الآن في تسمية طبيب النسائيّات (جينولوغ gynécologue).
لا توجد مثل هذه المفردة في العربية، لأن تاريخ الأدب العربيّ ينطوي على نزعة ميزوجينيّة عميقة مطمورة، غير مُعْترَف بها. من الصعب، ما عدا حول قضية الحب التي يتشيء فيها المحبوب، أن تجد الكثير من النصوص في مدح النساء، لإن المطالع الغزلية هي أنظمة معيارية وشكلية للعمود الشعريّ، وهي لا تصلح دليلاً على حضور وجوديّ فاعل للنساء. ردّ فعل النساء على ذلك لم يكن غائباً (انظر كتاب "بلاغات النساء" للطيفوري مثالاً) لكنه قُمِعَ بقوة. هناك نصوص ليست ميزوجينية بالطبع لكنها لا تعادِل كميّاً ونوعياً النصوص الميزوجينية. ليس من المصادفات أن يجمع محمد مظلوم في "ديوان رثاء الزوجات: من الشعر السومري إلى قصيدة النثر" (دار الجمل 2013) القصائد التي قيلت في موضوعٍ يخترقُ عن جدارة الميزوجينية هذه، وهي قليلة دون شك في الشعر العربيّ الكلاسيكيّ.
هذا الأمر خلافيّ، ويستحق تدقيقاً.
هل الشعر العربيّ القديم ميزوجينيّ (كاره للنساء)؟
[post-views]
نشر في: 6 سبتمبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...