(1)لم يعُد الطريق سالكاً للخروج من الأزمات السياسية المتلاحقة، وما يترتب عليها من آفات وتدهور وتخلف، تنعكس على أمن الناس وحياتهم المعيشية ومستقبل البلاد، دون إعادة النظر جذرياً بالنظام السياسي المبني على المحاصصة الطائفية، وما يستلزمه من إجراء تعدي
(1)
لم يعُد الطريق سالكاً للخروج من الأزمات السياسية المتلاحقة، وما يترتب عليها من آفات وتدهور وتخلف، تنعكس على أمن الناس وحياتهم المعيشية ومستقبل البلاد، دون إعادة النظر جذرياً بالنظام السياسي المبني على المحاصصة الطائفية، وما يستلزمه من إجراء تعديلات دستورية. ويكاد الجميع بدءاً من قادة الكتل البرلمانية وأقطاب العملية السياسية، يؤكدون بمناسبة وغير مناسبة، على أن الطائفية وولاءاتها، إنما هي اصل البلاء، واساس كل أزمة تطوق البلاد، والعائق في طريق معافاة الحياة السياسية. ولذا تجدهم ينددون بها، ويتبرأون منها، ويعبرون عن استعدادهم للتخلص منها.
وتتفاوت آراء وتقييمات المكتوين بنيران المحاصصة ونتائجها المباشرة على حياتهم وامنهم ومعاشهم ومصادر رزقهم. وهو امر طبيعي بعد اكثر من عشر سنوات على إسقاط الدكتاتورية، وبقاء الحال على ما انتهت اليه الأوضاع من خراب وتدهور وانفلات امني وقتل على الهوية وفساد مستشرٍ. وهو امر اكثر من طبيعي واستثنائي، والأحوال بدلاً من ان تشهد التحسن النسبي، تنحدر إلى اسوأ ممّا كانت عليه، ومظاهر وأوجه السوء، تتضاعف وتزداد بلاءً، مع مر السنوات. وتتسم بعض الآراء والتقييمات، وما يُراد من حلول، بانفصالها عن الواقع وتعقيداته وتناقضاته، وما يتحكم بسيرورته من مصالح وإرادات وتوازناتٍ مختلةٍ، لصالح القوى المهيمنة في السلطة، التي تحول بعضها الى مافيات "متصاهرة" مع شبكات الجريمة المنظمة، ورجال الاعمال المتورطين بمنظومة الفساد والرشى والمشاركة "من الباطن" مع المسؤولين الكبار واولادهم وذوي القربى، والوسطاء والسماسرة. وهذا الانفصال عن الواقع المرير، والمبالغة في ردود الافعال إزاءها وكيفية "نفيها"، لا تدفع باتجاهٍ عقلاني واقعي ممكن لتجاوزها، بل قد تشكل عبئاً على الحل الممكن، ومدعاة لإثارة اليأس بين الاوساط الشعبية التي تستعجل الخلاص، لشدة معاناتها وانسداد الافق أمامها، وهي تعجز حتى عن تدبير رزق عيالها اليومي، ولو كان في حدود الكفاف والستر.
ولا يتوقف الالتباس واللاواقعية في النظر الى الحال التي انتهينا إليها، ووسائل وسبل معالجتها سياسياً، عند تخوم الاوساط الشعبية، والفئات المتدثِّرَة ببيوت الصفيح، والآكِلَة من الفضلات وصفائح القمامة، بل تتجاوزها الى الطبقة المثقفة وأوساط الشبيبة وجمهور المنظمات الأهلية. وهي ترى، كلها او أكثريتها، ان لا مناص من تقويض نظام المحاصصة الطائفية، دفعة واحدة، واجتثاث الطبقة المتحكمة في السلطة، وإزاحتها عن الحياة السياسية، دون تحديد رؤيا ومنطق وآليات لتمكينها من ذلك، في اطار القواعد والآليات الديمقراطية وصناديق الاقتراع.
إن خطورة مثل هذه التصورات وغياب الرؤى والآليات، تنعكس في تحوّل المرحلة المتفسخة الراهنة، الى تقليد دائم في الحياة السياسية والدستورية. بينما كان يفترض ان تتسم طبيعة المرحلة السياسية هذه، بطابع انتقالي مؤقت، بحكم قرار برلماني مضت بضع سنوات على إقراره بما يُشبِه الإجماع، واقترن بالتزامٍ من الكتل المشاركة في العملية السياسية بتنفيذه، نص على إجراء تعديلات جذرية على الدستور، قد تُفضي الى تحسينه وتشذيبه، وانعكاسه إيجاباً على إرادة الناخبين.
وليس هذا ما يضفي على المرحلة الراهنة، طابعها الانتقالي المؤقت، وحسب، بل إن اعتماد صيغة "التوافق" وما ترتب عليها من "محاصصة" طائفية، وتقاسمٍ للسلطة، يؤكد ذلك. فـ"التوافق" كصيغة في النظام السياسي، هو "تحويرٌ" للآليات الديمقراطية، يهدف إلى شكلٍ من أشكال تبريد وتسكين خطوط التماس بين "الاكثرية السكانية" و"الاقلية" في ظرف موضوعي ملتبس، وتحَوّلٍ دراماتيكي. ومثل هذا التحول يستلزم ضبط إيقاعاته، وتأمين شروط "المساكنة" في الحياة السياسية وتطبيعها، تلافياً للصدام، وحفاظاً على وحدة نسيج المجتمع ومكوناته، على قاعدة التنوع والتعدد. ولا يمكن للتوافق السياسي، كصيغة "مُتَلاعَبٍ" بها في اصول ومبادئ النظام الديمقراطي، ان يتخذ طابع الديمومة في تعطيل الآليات الديمقراطية، الا اذا تحوّل في لحظة تأزّمٍ واحتقانٍ، وتصادمٍ حادٍ في المصالح الى استعصاءٍ استثنائيٍ، "جيوسياسي" يفضي الى "عقد سياسي - اجتماعي" كما هو الأمر في الحالة اللبنانية، وتوافقها في "اتفاقية الطائف". ومع ذلك، ظل هذا الاطار مصدراً لإعادة انتاج التوتر والخصومة والتنافر، وما كان في أساس التسوية السياسية المتمثلة في اتفاق الطائف، وما قبل الطائف الملازم لميلاد الدولة اللبنانية التي أرسيت على قواعد التقاسم الطائفي. وربما تعيش هذه التجربة الابرز للتوافق والتحاصص الطائفي، مرحلة النزع الاخير والموت السريري.
(٢)
إن البيئة الحاضنة للتوافق، (وليس ثمة ترابطٍ عضوي بالضرورة بين التوافق والمحاصصة الطائفية)، كانت ملازمة للوضع الذي استجدّ بعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وانهيار الدولة الاستبدادية، وتفليش أجهزتها ومؤسساتها، وتدمير أركانها وبناها التحتية. وبغض النظر عن دور الاحتلال الأجنبي الذي كان حامل التغيير، فان عملية "التجريد" المتدرج للاستقلالية النسبية للدولة، وسلطاتها الثلاث، وإلحاقها القسري بالنظام السياسي، وتبعيتها لسلطة الفرد المطلقة، أدت في العهد السابق، الى دمجها في هيكلية هرمية، لا يمكن إقصاء ركن فيها دون ان ينهار الهيكل بكامله. ولم يتوقف الدكتاتور عند عملية دمج النظام والدولة والسلطة السياسية، لتذوب في شخصه الواحد وإرادته المطلقة، بل تعدى ذلك إلى النيل من المجتمع بأسره، من خلال ما عُرِفَ بعملية "التبعيث" التي تدرج فيها، من تصفية سياسية وجسدية للأحزاب والقوى الوطنية بمختلف مشاربها، الى "تجريشٍ دموي" داخل الحزب الحاكم، عبر سلسلة من الاغتيالات والإعدامات والتغييب، للقيادات والكوادر البعثية غير الموثوق من ولائها.
وفي هذا السياق، الارادوي المتطفل، عَمِلَ على تعميق "التهجين البنيوي" للمجتمع العراقي، بالغاء اي مظهرٍ للتنوع والتعدد السياسي والفكري والحزبي، وما يرافقه من جدلٍ وتباينٍ في الرأي والاجتهاد حتى داخل حزب البعث نفسه، لينصهر "الكل" في "ذات" وإرادة "القائد الضرورة".
ولاستكمال هذه العملية، التي تدخل في باب الجريمة التي يطالها القانون الدولي، عَمد الى اتخاذ سلسلة من التدابير والقرارات الادارية والتشريعات القانونية، لتغيير الطابع السكاني في البلاد، لطمس هويات المناطق المشمولة بالتغيير، برسم حدود افتراضية جديدة للمحافظات وتقسيماتها الادارية في اطار السياسة "القومانية الفاشية" التي عرفت بـ"حملة التعريب" والتطهير العرقي "الجينوسايد" واقترنت بحملات ابادة جماعية، وتهجيرٍ جماعي قسري، وإقامة كانتونات ومعسكرات سكانية للمهجرين من سكان الارياف والمحافظات وتقسيماتها الإدارية.
والانهيار الفاجعي للدولة الاستبدادية، بغض النظر عن الرضا بنتائجها، كوسيلة لإسقاط النظام الدكتاتوري، كان من الممكن والمتوقع ان يكون لحظة تاريخية فارقة، لإرساء مبادئ وأسس دولة حضارية مدنية ديمقراطية، ينتفي منها كلياً، اي مظهر ومُقَوّم لاعادة انتاج استبدادٍ مكيّفٍ او مأخوذٍ بالشبهة!
لكن ما جرى مما سُمي بإعادة بناء لـ"الدولة الجديدة" تجاوز المتوقع والمأمول، ولم يعتمد في عملية إعادة بناء الدولة، سوى على فضلات النظام الاستبدادي المنهار، وأسَّسَ قواعد نظامٍ يُشرّع لأشكال "مموهة" للاستبداد الشرقي، المتلفع بمظاهر الدين والمذهب، خلافاً لأي من قيمهما الانسانية المُفتَرضة. وهو ما يتمثل اليوم في "لا دولة" منقوصة السيادة، مغتَصبة الارادة، وولاية حكومية فقدت الشرعية الاخلاقية، وتأكل بالتدريج من شرعيتها السياسية والدستورية.
(٣)
إن الحراك المجتمعي الذي بات يُعبرُ عن نفسه، بأشكال متعددة من الاحتجاج والنقمة على الحكم الجائر، يفتح باب الرجاء للخروج من متاهة الدائرة المسدودة لنظام المحاصصة الطائفية. وما هو كامنٌ من طاقة الحراك والاحتجاج، والقدرة على انبعاثه من حالة الصمت السلبي، والانضمام إلى التحرك الجماهيري العلني، من شأنه أن يلعب دوراً استثنائياً، سواءً في آليات الضغط، أم في توسيع التعبئة الشعبية وتنويع مصادرها، وتجاوزها للمنطلقات الطائفية والمناطقية، وتكريس مرجعيتها الوطنية، في مظهريها، المطلبي الآني، والسياسي الوطني، بمضامينهما الديمقراطية. وهذا ما يستوجب جهداً مضاعفاً، وابتكاراً في الأساليب والافكار والشعارات ومنصات التفاعل والتشارك. وليس من باب الانحياز الطائفي، التأكيد في التحرك بشكل خاص على المناطق المعروفة بانتمائها الشيعي. فالفريق الحاكم يستمد، أو يدّعي اعتماد مشروعيته السياسية، من ارادة الناخبين في تجمعات هذه المناطق بالتحديد، مع أنها مغيبة الحقوق والمطالب المشروعة على كل صعيد.
وأي تقدم أو نهوضٍ جماهيري، ونخبوي، يستلزم، تجاوزاً لما هو تقليدي، سلبي، ضعيف التأثير، وتنوعاً في أساليب التحرك والضغط، والابتكار بما يتلاءم مع خصوصية المكان، يجسد تطلعات الفئات المعنية، ويتحسس نبضها وإيقاع معاناتها واولويات مطالبها. والمظاهرات والتحشدات الجماهيرية، هما شكلان جسوران للاحتجاج والتعبئة، يسهمان في تنمية الوعي الكلي، والارتقاء بالاستعداد لاكتشاف الذات الفردية المقهورة، واندماجها في القيام مع الجموع ورفد حركتهم.
ومن الخطأ تقييم نجاح التظاهر وفعاليته على أساس سعة المشاركة العددية فيه فقط، ومع أهمية هذا الحد وتكثيف الجهود لبلوغه، الا ان التجليات المختلفة له، من حيث المكان والمطالب والطابع الفئوي الموصوف له "مثقفون، او معلمون، او طلبة وشبيبة او نساء او عاطلون او مهمشون" لا يقل أهمية عن المظاهرات الحاشدة، العابرة للمحافظات.
(٤)
أكدت المظاهرات الاخيرة ومحاولات إجهاضها من قبل رئيس مجلس الوزراء، رئيس دولة القانون، الأمين العام لحزب الدعوة، نمو مشاعر الغضب والاحتقان بين مختلف الأوساط الشعبية، ضده، بعد انكشاف دعاواه الباطلة بتمثيلها وحماية مظلوميتها التاريخية. وفي جانب آخر، ظهرت بوضوح حالة القلق والفزع التي تنتاب الفريق الحاكم من المظاهرات التي يتضح طابع اللا موالاة للمشاركين فيها، وان كان البعض منهم، من المنتمين لأحزاب مشاركة في التحالف الوطني. وهو قلق يؤشر بوضوح إلى طبيعة النهج والنوايا المبيّتة للمالكي وفريقه، والشعور بأن هذا المستور، لا يصب في السياقات الدستورية الديمقراطية. وقد بان هذا فيما تسرّبَ من مسعىً مشبوه لتمديد عمر الحكومة والبرلمان، يروّج له من وراء الكواليس، نواب دولة القانون والدعوة، أملاً في أن تؤثر تطورات داخلية او عربية وإقليمية في تعديل موازين القوى، وتغيير المزاج الشعبي، تُمكِّنَهم من إعادة اغتصاب السلطة لدورة مشؤومة ثالثة. وهو احتمال لا يختلف كثيراً عن خبر "إعلامي" يومي، وليس استثنائياً، عن رجل سليم العقل يعض كلباً مجّربا!
لقد كان متوقعاً، ولم يفت الأوان بعد، ان تبادر اللجان التنسيقية والقيادات الميدانية للمتظاهرين، والمصابين فيها وأهالي المتضررين، إلى تسجيل شكاوى في مراكز الشرطة، وتوجيه دعاوى قضائية الى المحكمة الاتحادية، على رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية وقيادات القوات المتصدية للمظاهرات بالعنف المفرط، والمطالبة بمساءلتهم قانونياً، على منع المظاهرات "وهو حق كفله الدستور" والتعامل معها بكل الأساليب المنافية للحقوق والمتعارضة مع الدستور. وهو ما يجب القيام به بحق الحكومات المحلية والاجهزة العسكرية والشرطية التي شاركت في عمليات مداهمة المظاهرات وضربها وتفريقها بالقوة. قد يرى البعض ان لا فائدة من وراء مثل هذا الإجراء، في ظل سلطة قضائية منعدمة. وهذا الموقف غير صحيح، يفتقر الى استشراف التطور السياسي، ويعكس اليأس من امكانية تحولات تضع الجناة اياً كانت مواقعهم اليوم، امام المقاضاة والتجريم. ان اي خرقٍ دستوري، وتجاوز للقانون والصلاحيات، واستخدام للعنف، لن يكون ملغياً مهما تقادم الزمن على ارتكابه، من قبل سلطة القانون، مما يفرض على اصحاب الظلامات والمنتهكة حقوقهم، تثبيتها في سجل القضاء، وليس مهماً "حفظها" في الأدراج اليوم، لأنها لن تضيع في المستقبل مادام وراءها مُطالب جسور.
(٥)
تتردّد في مواقع التواصل الاجتماعي، مواجع شبابية، وحسرات حول افتقار العراق لإمكانية "استنساخ" الحالة المصرية، "المبتكرة"، غير المسبوقة في التاريخ، حيث استُبدِلَت صناديق الاقتراع، بالتصويت المباشر في الشوارع والميادين والنجوع. وسبقتها التواقيع الملايينية على "استمارات الخلع" التي ابتكرتها وابدعتها حركة "تمرد" وادت الى انتفاضة شعبية ملايينية، وتفويضاً للقوات المسلحة بإزاحة الرئيس الاخواني، واعادة مصر المحروسة الى عمقها الحضاري التاريخي، وحاضنة الخارطة السياسية لبناء الدولة المدنية، والنظام الديمقراطي.
ولان التجربة التاريخية للحركة الوطنية الديمقراطية في العراق، جرى طمسها بتعمدٍ وقصدية من قبل الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة، يتعذر على الاجيال الجديدة استرجاع دروسها ودلالاتها الغنية بالعبر والمآثر. وفيها ما يشكل مدرسة نضالية، من حيث الاساليب والوسائل وادوات التعبئة. وهي ليست ملكاً لحزب او جهة سياسية بعينها، وان ارتبطت في فترات ومراحل مبكرة بالحزب الشيوعي والحركة الوطنية الديمقراطية.
ولكن هذا التراث أيضاً، لا يحتمل التأويل والاستنساخ، والإسقاط على متطلبات الوضع الراهن. لان الحياة وتعقيداتها، تستلزم مستوى آخر من العمل الكفاحي، ومن الاساليب والوسائل والادوات.
قد يرى البعض في الحديث المجرد عن العملية السياسية القائمة والدعوة لـ"نفضها" من زوائد عرضية وتشذيبها، كما لو انه دفعٌ للشبهات عنها وتكريسٌ لطابعها الطائفي، ودعوة وتحبيذ للأخذ بالمحاصصة كصيغة للحكم. ويقود مثل هذا الرأي، إلى فرضيات للتغيير، تنطوي على المغامرة والمراوحة في الدائرة السياسية المغلقة. وبالتالي لا مناص من التأكيد، دفعاً للشبهة، بان المحاصصة بكل تجلياتها، أثبتت عقمها وفشلها وعجزها عن اقامة نظامٍ ديمقراطيٍ مدني، يستند الى القانون والحريات والمؤسسات. لكن السبيل لتجاوزها يقتضي اعتماد الوسائل الديمقراطية المتاحة، المكفولة دستورياً، وتفعيل أبوابها وموادها التي تنفي بشكل واضح، كل ما هو طائفيٌ وتمييزي على اساس الدين والمذهب. ومن هذا المنطلق يمكن الدعوة الواسعة المشروعة لإلغاء الطائفية والمحاصصة المشروخة منها، والانتقال الى اجراء تعديلات دستورية، تعالج الثغرات والمواد "حمّالة الاوجه" التي عكست طبيعة التسوية السياسية المتناقضة التي ارتبطت بمرحلة وضع الدستور، واطلاق العملية السياسية.
إن البديل، عن المحاصصة، هو خيار اعتماد المواطَنَة الحرة المتساوية، ونفي كل ما يتعارض معه ويناقض قيمه. وليس لتحقيق هذا البديل سوى طريق التعبئة الجماهيرية والارتقاء باستعدادها وتشجيعها على الانخراط النشيط والفعال في العمل السياسي المباشر، للإسهام في سحب الثقة من الطبقة السياسية الطائفية وممثليها في الانتخابات التشريعية القادمة، وإضعاف نفوذ النخب والافراد الأكثر ارتباطاً بهذا النزوع وعزلها، توطئة لخلق البيئة والأدوات الديمقراطية التي من شأنها تغيير موازين القوى لصالح الكتلة التاريخية القادرة على انتزاع المبادرة، وإجراء التحول.
وتظل، في حالة تفاعلٍ وتمحور، من زاوية "نظرية" في ظل احتدام التناقضات الحالية "إمكانية كامنة" لتحول دراماتيكي خارج الاطر المعتمدة، عبر هَبّة اجتماعية عارمة، يستنهضها، استشراء متفاقم للفساد، والافقار، والتفاوت في المعاش، والمكانة، والتدهور في الاوضاع العامة، حد نفاد صبر الناس وانفلاتها من عقال الحكمة والتأني. وليس هذا السياق بمستبعد في مواجهة السلوك المتعالي للطغمة المهيمنة على السلطة والحياة السياسية. ولا يجوز لقوى الحراك السياسي، الشبابي والمدني، والنواتات القابلة للتغيير داخل الكيانات القائمة، التعامل باستخفافٍ وضعف دراية وحول مع هذه الإمكانية، اذ قد يؤدي ذلك الى انفلات مفاجئ في غير الاتجاه الذي يصب بمجرى التغيير والتحول الديمقراطي.
(٦)
في مواجهة الرفض والتمنع والاستقواء بأدوات القمع والاغراء، الذي تتكئ عليه السلطة القائمة، من جانب، ووسائل الإغراء والامتيازات التي تلوح بها لِضِعاف النفوس والشكيمة من جانب آخر، تبقى المبادرة والابتكار واستنباط الأدوات والوسائل، خارج السرب المُترع بالضلالة والفساد، الخيار المفتوح أمام القوى الطامحة للخروج من اسر النظام الطائفي.
واحدى الوسائل الممكنة للعمل الى جانب تفعيل مكاتب "الادعاء العام الشعبي"، اعلان تشكيل "حكومة ظل وطنية"، تغطي بقوامها، كل العراق ومكوناته، وتقدم بتوصيف أعضائها، واسلوب عملها التطوعي وبرنامجها وآلية ادارتها، مثلاً وأملاً، وتجاوزاً للضحالة والفساد المهيمن على المشهد السياسي الراهن.
يتبع...
جميع التعليقات 1
أبو سرحان من لندن
أحسنت يا أبا نبيل ولكن ربما فات آوان الحل السياسي في العراق اليوم وكما ترى ؛ فلا حياة لمن تناد