كيف لنا أن نرمم ما تبقى لدينا من جمال وفن دون الاعتماد على إمكانات متجددة وروح شابة ، تحمل بشكل طبيعي روح التجديد والتطلع إلى الغد بشكل مختلف عن البارحة ؟ وأن كنا حقاً نبغي مسايرة العصر ، علينا أن نلتفت إلى إدارة المؤسسات الفنية والتي لا تحتمل بقاء شخص محدد فيها لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة ، فهو بهذا سيجعل كل شيء كليشياً ورتيباً ، بدون أي تجديد ، وستمرّ الأيام مثل طبعات الغرافيك المتشابهة ، ويتحول العمل هنا أو المناخ السائد في الثقافة الفنية إلى ما هو أقرب الى الروتين والانغلاق منه إلى الانفتاح والتغيير . أتذكر ذات مرة كنت مع الشاعر الراحل يوسف الصائغ في مكتبه حيث مؤسسة السينما والمسرح ، وقد كانت تربطني به صداقة جيدة ، وذكر لي بأنه تلقى رسالة من شاعر يقول له فيها بأنه شاعر شاب ويود أن يسمع رأيه بقصائده ، بعدها قال لي الصائغ ( ومتى ما كان الشاعر شاباً ؟ من المفترض أن يكون الشاعر شاباً دائماً ) .
مرّ ذلك على خاطري وأنا أقارنه بما نشرته صحيفة ( الآن ) عن تعيين طالبة هولندية في بداية العشرينات من عمرها اسمها ( آنا كريمرز ) مديرة لأحد متاحف هولندا المهمة وهو متحف ( فيللا موندريان ) ، هي الطالبة التي ما زالت تدرس اختصاصها توسيع التعاون بين المتاحف في جامعة لايدن ، وهو البيت الذي كان يسكنه واحد من الذين أثّروا على الذائقة الفنية في كل العالم ، الفنان المجدد وأحد أهم أركان الحداثة في القرن العشرين ( موندريان ) وقد تحول هذا البيت إلى متحف يحمل اسمه . والجميل في الموضوع أن المدير السابق وافق على طلبها حين سألته حول إمكانية أن يكون مستشاراً فنياً لها وهو أحد كبار رجال الثقافة في البلد .
هذه واحدة من الخطوات التي ينتهجها بلد يهتم بمستقبل ثقافته بشكل عام حيث لا تتعلق المسألة بالعمر أو الأحزاب أو الوساطات ، بل وببساطة شديدة لها علاقة بوضع الإنسان المناسب في المكان الصحيح والمناسب أيضاً ، كي يبدع وينتج ويعكس صورة تناسب طموحات الناس والبلد . هناك شباب في مقتبل العمر لهم نظرة ثاقبة في التطلع نحو تطورالفن وترتيب علاقات يملؤها الجمال مع ما يحيطهم ومع الفنانين ووسائل الإعلام ، وهم بكل تأكيد سيندفعون إلى التغيير في صنع جمال بلدهم إن أعطاها فرصة حقيقية ، ليس فقط لإثبات أنه لا فرق بين كبير وصغير ، أو بين رجل وامرأة ، بل ليقول البلد وبصوت مليء بالوضوح أن الشباب هم الذين يمنحوننا ثقة في الغد .
أتمنى حقاً أن باستطاعتي إكمال مقارنتي بين ما يحدث في العالم وبين ما يحدث في الوسط الثقافي عندنا في العراق حيث تغلق في حالات كثيرة الأبواب والمنافذ أمام الأفكار الجديدة التي تتلاءم مع روح ومتطلبات العصر ، ولا تعطى فرصاً حقيقية ومناسبة للشباب ، وبهذا نسد أي خطوة باتجاه مستقبل أجمل للفن أو أي نافذة تطل على شيء مختلف وجديد وملائم ليومنا الحاضر ، أتمنى أن لا ننظر إلى الشباب بعين نصف مغمضة وبطريقة لا تخلو من الترفع والأستاذية والاستعلاء ، فهذه واحدة من الطرق التي نحارب فيها – ربما دون أن ندري - ثقافة المستقبل وإبداع الغد.
حين تمرّ الأيام مثل طبعات الغرافيك المتشابهة
[post-views]
نشر في: 11 أكتوبر, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...