اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشعرية أم الشاعرية؟

الشعرية أم الشاعرية؟

نشر في: 6 ديسمبر, 2013: 09:01 م

لعلّ المرء سيتوقف قليلاً أمام عنوان كتاب الفرنسيّ غوستاف باشلار الذي ترجمه جورج سعد تحت عنوان "شاعرية أحلام اليقظة" (المؤسسة الجامعية بيروت 1991)، لورود المفردة التي اختارها المترجم: شاعرية، ولعله سيتساءل عن سبب عدم اختياره للمفردة الأخرى، شعرية، فما الفارق بين "الشاعرية" و"الشعرية" يا ترى؟
استخدمت "شعرية" بالعربية، في وقت متأخر نسبياً، بصفتها صفة تتعلق بالشعر كالبحور الشعرية والأغراض الشعرية والشواهد الشعرية، وليس بصفتها توصيفاً للدفق أو الجوهر أو المناخ الشعريّ. من الغريب أن يلاحظ المرء في هذا السياق أن مفردة "الشعرية" حتى بصفتها صفة مشتقة من مفردة الشعر لا ترد قط في المعاجم الأساسية: لسان العرب ومقاييس اللغة والصّحّاح في اللغة والقاموس المحيط والعباب الزاخر.
في العصور الحديثة فقط، أي النصف الأول من القرن العشرين، استخدم مصطلح الشاعرية للتعبير عن الإحساس الرفيع الذي يُلامس الشعر وللتعبير عن الجوهر الشعريّ لدي شاعر من الشعراء. وفي السبعينات والثمانينات تواتر استخدام المصطلح الآخر، "شعرية" بمعنى أكثر تدقيقاً.
إذا عدنا لكتاب باشلار، فهو يستخدم "شعرية" المتأخرة هذه. علماً أن الفرنسية تفرّق بشكل لا لبس فيه تقريباً اليوم بين الشاعرية والشعرية، إذ أن الشعرية مؤنث La poétique. في حين أن المفردة عينها بالمذكّر يُمْكن أن تكون هذه الشاعرية Le poétique. المقصود بالمفردة المؤنثة معالجة فنّ الشعر، النوع الشعريّ، والنظرية العامة للطبيعة ومصير الشعر، يتعلق الأمر بعلم تقريباً وقواعد. إذاً هناك اسم نطلق عليه شعرية، كما نقول انطباعية [مدرسة] واشتراكية [مذهب] وحروفية [حركة فنية].. الخ)، وليس صفة. الصفة بالأحرى هي هذه الشاعرية التي تميّز بالفرنسية، كما في العربية، الجميل والحسّاس والمُلْهِم والمُؤثِّر والتجريديّ وغير العقلانيّ.. الخ، ويمكن أن تُطْلق على فن الشعر المخصوص وغيره من ضروب الإبداع الأخرى.
بالنسبة لمترجم كتاب باشلار ثمة التباس وسهو لا شك به، قاده إلى تغافُل الفارق بين المفردة المذكَّرة وأختها المؤنّثة. وبالنسبة للاستخدام الثقافيّ الذي يخلط، عن قصد وغير قصد، بين الشاعرية والشعرية، ثمة عموماً مسار ثقافيّ عربيّ طويل لا يجد "الشعرية" بصفتها مقاربة للروح الشعريّ إلا في صيغ وزنية وموسيقية وبلاغية اسمها (الشعر). لهذا فقد فهم (كتاب الشعر) لأرسطو وترجمه في نطاق هذا المسار. عنوان الكتاب هو البويطيقا poiêtikês وفيه يستعرض أرسطو مبادئ التكوين الفنيّ وفكرة المحاكاة للطبيعة بصفتها جوهراً للبويطيقا، وهو يهتم بالكثير من أشكال الإبداع بما في ذلك الملهاة والملحمة والحوار وحتى الموسيقى والرقص ،إلا أنه يركز بشكل خاص على عناصر المأساة. جوهر البويطيقيا يقع في علاقتها الضيقة مع صيغ البلاغة العامة والاستعارة. أما فن الشعر المحدد (وله مفردة خاصة بالإغريقية هي بويزيس: poesis) فإنه يشكل جزءاً من هذه البويطيقيا. من هنا تقليد أوروبيّ عريض لا يجد البويطيقا في فن الشعر وحده. ومن هنا درس لم يستوعبه، في ظني، حتى كبار مترجمي أرسطو إلى العربية ،مثل ابن رشد، رغم براهين أرسطو عن البويوطيقا التي يجدها في فن التصوير التي ينقلها ويُعلِّق عليها ابن رشد.
إن نتائج هذين المسارين قادا إلى تثبيت مفهوم "الشعرية" الأوروبيّ المحايث الدقيق من جهة، وإلى نوع من الخلط بين الشاعرية والشعرية لدى شريحة واسعة في الثقافة العربية من جهة أخرى. باشلار يتحدث عن "شعرية" خارجة من مسار محدّد، صارت مفهوماً مُعَرَّفا بدقة اليوم.
أنْ توجد علاقة بين الشعرية والشاعرية، هو موضوع آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram