اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل لدينا مفهوم دقيق عن الواقعية؟

هل لدينا مفهوم دقيق عن الواقعية؟

نشر في: 3 يناير, 2014: 09:01 م

(2 – 2)
في جملتين أودّ وضع القارئ في سياق العمود السابق: يعاني مفهوم (الواقعية) من الالتباسات، وتبدو ثقافتنا العربية وكأنها لم تبلور تحديداً دقيقاً للمصطلح الذي مرّ بتطورات ومراحل وفترات وشهد تغيرات في أوروبا.
لقد انبعث الاهتمام بنمطٍ من أنماط الواقعية في القرن السادس عشر الميلادي في هولندا وفي فرنسا مع موضة ما نسميه اليوم (بالطبيعة الصامتة). غير أن الاتجاه الأوروبيّ الساعى إلى تمثيل الحياة الصامتة الذي سيزدهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، لم يكن يمتلك همَّ الارتباط برسم الأشياء أو الموجودات اليومية بشكل دقيق فحسب، ولكنه كان كذلك مهموماً إدانة (الحقيقة العميقة) لهذه الأشياء. إنها مرسومة لكي تطرح أسئلة عن تصوُّرنا الذاتيّ للواقع والأعراض التي تشوب رؤيتنا له. لذا لا يبدو الرسم مجرَّد تقليد خدّاع للعالم قدر ما هو بشكل خاص (رؤية) و(شهادة) على العالم. إن المسافة مهمة ويتوجّب أخذها بالاعتبار بين (التقليد) المباشر للواقع وبين كونه (رؤية) لهذا الواقع نفسه.
وعودة إلى تاريخ مفهومة الواقعية في أوروبا نقول إن ثباتاً واقعياً ذا طرافة قد تطور في هولندا لدى فنانين عديدين بدءاً من كانتان ميتسيس ثم بروغل وأدريان فان اوستاد وجان ستين، وكلهم كان ينقـِّب في مشاهد الأعياد والمناسبات العامة ومشاهد الألعاب ويسجّل الحياة اليومية للفلاحين أو يلتقط مشاهد البيوت البرجوازية ذات الأبهاء الموسومة (بواقعية باردة). ومن مصادر الاستلهام نفسها ستتطور في إسبانيا مدرسة واقعية يمثـِّلها موريللو ("أطفال يأكلون العنب والبطيخ" 1650-55) والرسام الإسباني الشهير فيلاسكيس وكانت تقدِّم ببهاء بصريّ، مشاهد عريضة ضخمة الأحجام لقطاعات إنسانية متجمهرة في الحقول وفي الاحتفالات، من كلّ الطبقات والفئات، ومن الرجال والنساء الأسبان. هذه الواقعية تتعارض مع تعبيرات الرسم الأكاديمي المنتصِر يومها في جميع أنحاء أوروبا والذي طلع ضده قبل ذلك الإيطالي الكبير كرافاجو بتكويناته التشكيلية غير المثالية ولقطاته الدرامية المُشدَّد عليها بإضاءة عنيفة نادراً ما شهدها تاريخ الفن.
في القرن التاسع عشر الأوروبي فإن الملاحظة (الموضوعية) للعالم سيرافقها وعي سياسيّ حادّ بحيث أن الفنان كان يسعى إلى أن يحلَّ موضوعه الفني في قلب سياق اجتماعي محدّد. هكذا نصل إلى الفنان الفرنسي كوربيه الذي حقق سنة (1848- 1849) لوحة تمثِّل تقاليد الريف كما كانت معروفة منذ القرن السابع عشر وتنقلها إلى العالم المعاصر له .هذه اللوحة تستحق وقفة طويلة بسبب تأثيراتها المباشرة على الفترة التاريخية لكوربيه كما على تلك الفترة الواصلة إلينا عبر ألف طريق ملتوٍ وطريق من تلك الطرق التي تـُفقد، في نهاية المطاف الدرس الواقعيّ مغزاه في العالم العربيّ.
عبر حجم لوحته ومضمونها كان كوربيه يريد أن يقوم بتجديد رسم (التاريخ) عارضاً البشر مثلما هم في الواقع من دون أيه نزعة بطولية، ولا بوضعهم في زمان مثاليّ كما تريد الصيغة الأكاديمية. لنلاحظ أن مفهومات مثل (النزعة البطولية) و(الزمن المثاليّ)، هما مبدآن من مبادئ الرسم الأكاديميّ الأوروبيّ. واقعية كوربيه، وهذا شيء جديد تماما في تاريخ الرسم الواقعيّ، تغدو تعبيراً عن تجربة (الذات)، عن (الذاتيّ) بمعناه الفلسفيّ، وعن وجهة نظر شخصية عن الواقع تتعارض مع مفهومة موضوعية محض عن العالم. العالم يتبقى هو العالم الخارجي المرئي نفسه ،لكنه مشحون الآن برؤية الفنان الخاصة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram