TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (٦)..من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية وإذكائها؟

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (٦)..من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية وإذكائها؟

نشر في: 1 فبراير, 2014: 09:01 م

تشكّلت الخلافة منذ تولي معاوية السلطة، ثم تدريجياً بعده، مما عُرف تاريخياً بثنائية السلطة السياسية والسلطة الدينية التابعة، التي تمثلت وظيفتها المباشرة في ايجاد الدعائم الشرعية لولاية الخليفة، وتبرير نهجه في إدارة شؤون الرعية، واقصاء المعارضة له "دين

تشكّلت الخلافة منذ تولي معاوية السلطة، ثم تدريجياً بعده، مما عُرف تاريخياً بثنائية السلطة السياسية والسلطة الدينية التابعة، التي تمثلت وظيفتها المباشرة في ايجاد الدعائم الشرعية لولاية الخليفة، وتبرير نهجه في إدارة شؤون الرعية، واقصاء المعارضة له "دينياً" إلى حد التكفير والاتهام بالهرطقة. 

وظل الثنائي متلازماً، فالتابع الديني كان يتغير مع تغير السلطة واحوال الخلفاء والولاة. وعبر تتالي العصور الاسلامية، الاموية (بعد فشل صلح الحسن ومعاوية ومقتل الإمام الحسين) والعباسية والفاطمية والعثمانية، ظل المركز الديني، المتمثل في عدد من الفقهاء قبل التمذهب، ثم ائمة المذاهب الرئيسة بعد تكوينها بالنسبة للسنة، والائمة الاثني عشر بالنسبة للشيعة، نائياً بنفسه عن امور السياسة والعلاقة بالسلطة، منشغلاً بعلوم وامور الدين والمسائل الفقهية والعلمية.

وقد تعرض القيمون على هذا المركز الديني الى مضايقات، بلغت حد الحجر والسجن والقتل، لرفضهم ممالأة السلطة والخضوع لها، وتوظيف معارفهم الشرعية الدينية لخدمتها.
وقد انفك عقد هذه الثنائية، السياسية والدينية، بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وتشكيل دول متشبهةٍ بالمدنية، وضعت مسافة بين الطبقة السياسية، المعنية بادارة الحكم وتسيير شؤون الدولة، وعلماء الدين ومرجعياته المتفرغة للاحاطة بالمسائل الدينية وشعائرها، وإشاعة القيم الدينية.
وفي تلك المرحلة برزت الى الصدارة، أعلام الاستنارة والتحديث الديني، وشرعت بتسفيه ما عَلِقَ بالاسلام، من اختلاقات "التابع الديني" الذي اغرق الاحاديث والسنّة النبوية بما ينفع الحاكم، ويشوه أحكام وقيم الرسالة المحمدية. ولم تخلُ المرحلة من جدلٍ نابضٍ بالحيوية المبنية على المعرفة، على ضفتي الحوار، بين المتشبثين بالقديم، بكل ما ينطوي عليه من تحريف وتصنيع وتخليق، ورجالات النهضة الفكرية والتجديد الديني. 
ولم تعد آليات ثنائية السلطة- المركز الديني، تعبر عن نفسها بالصيغ التي رافقت الدولة "الإسلامية-الدينية" في مراحل الخلافة المتعاقبة عبر العصور، بهوياتها المذهبية، وانما صارت تلعب دورها على هامش الدولة، وعلى عتبة الحكام، الملوك والامراء والشيوخ، وفي وقت لاحق، على حواشي (السجّادات) الرئاسية التي فُرِشت للقادة ورؤساء الدول "الوطنية"، بعد ان تحولت اقدارهم الى مستبدين، اعتمدوا في تشكيل هوياتهم على "خلطة ايديولوجية" هي مزيج من المبادئ والافكار والقيم المستلّة من الأيديولوجيات، الرأسمالية والاشتراكية، والدينية، المجردة من جوهرها وآلياتها. ومع اتساع عزلتها، وانكشاف الشعارات المتناقضة مع الادعاءات، وحركة الواقع، وجد هؤلاء الحكام، ضرورة لارساء هوياتهم على قاعدة "دينية" من منطلق مواجهة التطرف الديني الذي بدأت تظهر بوادره على بواكير حركات وتكوينات تيارات الإسلام السياسي، من جانب، ووأد الحركات والأحزاب التقدمية والديمقراطية، وإفراغ الحياة السياسية منها، من جانب آخر.
وفي لحظة تحول فارقة في هذا التطور ظهرت التشوّهات البنيوية على تلك الانظمة بمجملها، اذ لم تعكس اغلبها هيكلية دولة رأسمالية تعتمد آلياتها وأدواتها، كما لم يكن فيها ما يجسد المبادئ والآليات "الاشتراكية" ان لم تكن، في واقع الحال "مختبرات" لتشويه مبادئ وأفكار وقيم الاشتراكية ونزعاتها التقدمية، التي تتمثل في العدالة الاجتماعية.
وعلى النقيض "الشكلاني" معها، تراجعت الأنظمة والدول التي تخوضُ في المساقط الجافة المتحجرة، لما توارثته من خلائط التعاليم والقيم الدينية التي كيّفتها اجيال من رجالات طبقة "الدين التابع" في عهود الخلافة، بمختلف عصورها، لتؤسس على قواعدها واصولها واحكامها، دولة الاسلام، لمنازلة الدول المارقة عن الاسلام "العلمانية - المدنية"! وتحولت المنطقة بدولها كافة، وبدرجات تتفاوت حسب الطبيعة الاستبدادية للنظام السياسي فيها، ومدى تفشي الجهل والامية والفقر والتضييق على الحريات، وتحكم الفساد في مفاصل دولها، ورخاوة البيئة الاجتماعية المستعدة، الى ملاذ آمن لاحتضان الحركات والنشاطات الاسلامية ذات المنحى السياسي الحزبي.
واستفادت قوى التيار الاسلامي، من الفراغ الذي نجم عن غياب القوى الديمقراطية والقومية ذات النزعات الاجتماعية التقدمية، والاحزاب الاشتراكية والشيوعية، وفشل مشاريعها وشعاراتها الواعدة بتغيير المجتمع وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
واتسم الدور السياسي، لقوى التيار السياسي الاسلامي، وفقاً للظرف الموضوعي والذاتي لكل بلد، بكونه في بعضها حاملاً لعصا السلطة ودعاواها، ضد الحريات، تحت شعارات "التحريم" وعنوان "النهي عن المنكر"، وفي البعض الآخر ركزت النشاطات في حواشي المجتمع، التي تغطي مساحات واسعة من البلاد الفقيرة الهشة المحرومة من مصادر الثروة والطاقة، لتعبث بعقول الشبيبة والاوساط السكانية الاكثر يأساً وحرماناً، وتهميشاً، وتشاؤماً من تغير الاحوال، وصروف المستقبل الغامض، وتجردها، من الوعي بأسباب ما هي عليه، وسبل الخلاص منه، وتضع كل واحد منهم امام الله، ودروبه المفضية إلى فردوس جناته، كوعدٍ بالسعادة والخلاص من حرمانات الدنيا وجحيمها...!
ومن تلك البيئة المغلقة على إيمانٍ لا يستمد الرحمة من الركون الى ما يعد الرحمن به من رزقٍ لكل حي على منبت البشر في ارضه، تخرجت افواج من الدعاة "الملتحين المتدشدشين" على قياسات عصر الاسلام الاول، المستعدين للموت، لتقريب الخلاص في الآخرة. وفي تلك البيئة المتدثرة بكل عناصر التطرف والغلو والطاعة العمياء، تشكلت فرق وجماعات ترى في المجتمع ككل خوارج ومرتدين، وحوامل افكار وقيم الجاهلية الاولى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram