اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأطروحة التغليسية

الأطروحة التغليسية

نشر في: 7 فبراير, 2014: 09:01 م

لو كان علي الورديّ حياً لشاطرنا، في الغالب الأعمّ، الرأي بإمكانية استخدام مفردة "التغليس" بصفتها أداة اصطلاحية ممكنة وصالحة بل دقيقة للتحليل الاجتماعيّ في العراق، على المستوى العام وفي الشروط الثقافية المُحدّدة.
هم "يغلسون" كما تقول المفردة العراقية، وهي من أصل عربي صحيح، ففي المعاجم: الغَلَس بفتحتين ظلمة آخر الليل التَّغْلِيس السير بغلس، يقال غَلَّسْنا الماء أي وردناه بغَلَس وكذا إذا فعلنا الصلاة بِغَلس. اللهجة العراقية تستخدم هذا المعنى للغاضّ الطرف كأنه سائر بليل وكأنه غير مرئيّ، مُغلّس. الاشتقاق العراقي يُستخدم عينه في مصر والجزائر وربما في بعض مناطق الأردن، مما يبيح إطلاق استخدامه على نطاق واسع.
أولاً: بشكل عام ارتبط المثقفُ التغليسيّ بالسلطة بمعناها العريض، وأحزابها كذلك بالمعنى الضيّق، مباشَرة أو مداوَرة. بالأمس واليوم بالضبط. الارتباط بالسلطة ومنافعها يقود بالضرورة إلى تغليسٍ ما، أو التغليس المُطْلَق. بعد ذلك لديه جميع الأدبيات المعاصرة والدينية والثورية لتبرير تغليسه.
ثانياً: اعتبرَ المثقفُ التغليسيّ مثقفاً آخر ليس تغليسيّاً، عدائياً ولا يمتلك مهارته في اللعب على الأحوال. الثاني الذي ليس دائماً في الواجهة، يعاني من الخسارة، لأنّ المحاججة الزائفة ليست من طبائع وعيه الجوهريّ. وهذا هو الفارق الحاسم، على ما يبدو، بين التغليس واللاتغليس.
ثالثاً: تهمة العدائية هي تهمة المُغلّس لمن يسعى لمواجهة بعض الحقيقة الوجودية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي حيلة سجالية من حيل التغليس.
رابعاً: يظنّ مثقف التغليس أن التاريخ، وتفاصيل الأشياء تمسّ كل مثقف آخر باستثنائه: إنه معفيّ عن المساءلة، لأنه في مُطْلَقٍ مُتوهَّم. في أحسن الأحوال هذا الوعي انتقائيّ، أي تلفيقيّ. شروطه ومصالحاته تستحق أيضاً مساءلة لا يودّ أن يقترب أحد منها. كما أن شروط ومصالح غيره - ونحن على رأسهم- صالحة للمساءلة دون شك.
خامساً: من أكبر أوهام المُغلّس هي أن الوضع المُغلَّس عليه، سيستمر للأبد. هنا يتشاطر الرغيفَ مع مغلَّسي النظام السابق، ويتطابق معهم.
سادساً: عندما نغضّ الطرف عن بُعْدٍ إنسانيّ وهفواتِ بعضنا وأنفسنا وأهلنا وأحبّتنا وحتى مثقفينا، لا يعني أننا مغلّسون، يعني في المقام الأول أننا أخلاقيون ومُحبّون. التغليس أمر لا يتعلق بالإنسانيّ والأخلاقيّ بل الجوهريّ والوجوديّ كما نصفه هنا. الخلط بين هذا وذاك هو تبرير لشرّ التغليس الواعي لنفسه واستراتيجياته بعيدة المدى.
سابعاً: التغليس في بعض وجوهه هو (تقبيح الحسن وتحسين القبيح)، وهذا عنوان كتاب للثعالبي، وفيه مغزى جوهريّ في سياق الأطروحة التغليسية: أن حَرْف الكِلم عن موضعه يطابق التغليس والاستغباء والسجال التمويهيّ. قال الأحنف: "اكرموا الغوغاء والسفهاء؛ فإنهم يكفونكم العار والنار"!. هكذا تماماً يمكن أن ينحو الخطاب التغليسيّ.
ثامناً: يزيد من حنق المغلّس على من يُذكّره بتغليسه استخدام الأدب الرفيع للمُخاطَب والاحترام العالي له، كأن الحوار عن موضوع التغليس أو غيره يستدعي إخراج المُحاوِر عن طوره، لكي يكون نصيبه نصيب الرابح.
تاسعاً: من ستراتيجيات التغليس عدم مناقشة الفكرة نفسها، بل ما يُجاوِرُها. خاصةً إذا كانت الفكرة مُقْلِقة وبراهينها دامغة.
عاشراً: المُغلِّس، كقاعدة عامة، يود أن يُغلّس الجميع مثله.
الحادي عشر: التغليس هو نوع خطير من أنواع (التشبيح)، لأنه تهديد بطريقةٍ لا تقول للعلن خطورةَ ما تُضْمِره في السرّ.
الثاني عشر: غالبية العراقيين والعرب ليسوا من المغلّسين قط. ثمة فئة من أصحاب السلطة والفكر والثقافة تمارس تغليساً لا يليق بمهمتها الثقافية والإنسانية الجوهرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram