ذلك لأنه عام العسرة وتزاحم الأزمات. بدأ بإخفاقات ما بعد تشكيل الحكومة وانتهى بغرق العاصمة بغداد وانهيار بيوت الطين والصفيح على رؤوس الفقراء. وفيه اتجهت المسارات السياسية نحو التدهور والمخاطر التي تنذر بأكثر من كارثة. وفيه اكتملت خيبة العراقيين
ذلك لأنه عام العسرة وتزاحم الأزمات. بدأ بإخفاقات ما بعد تشكيل الحكومة وانتهى بغرق العاصمة بغداد وانهيار بيوت الطين والصفيح على رؤوس الفقراء. وفيه اتجهت المسارات السياسية نحو التدهور والمخاطر التي تنذر بأكثر من كارثة. وفيه اكتملت خيبة العراقيين وانهارت ثقتهم بحكومة الشراكة كانهيارها بين فرقاء العملية السياسية،الذين مارسوا لعبة ترحيل وضع البلد المتردي برميها على الآخر كما لو كانوا "فريق سلّة". وفيه صار العراق "مسخرة" في أنظار العالم باعتراف الرجل الأول في الدولة. وفيه يئس العراقيون ونفضوا أيديهم من سياسيين هم جاءوا فخذولهم وأذاقوهم مرّ العيش والحرمان. وفيه انتقلت أزمات سادة المنطقة الخضراء إلى الشارع العراقي فخرجوا يهزجون:(وينه صرفكم عالمشاريع، فد يوم مطرت مو أسابيع) ولافتات كتب عليها:(طوفان الفشل والفساد تكشفه أمطار بغداد). ومفارقتان من نوع شرّ البلية ما يضحك،الأولى: أن الحكومة عزت السبب إلى غزارة الأمطار مع أنها استغرقت عشر ساعات،والثانية:أن رجل دين فسّر غرق بغداد بأنه عقوبة إلهية..وكأن المذنبين هم الفقراء الذين غرقت بيوتهم،وأهل بيوت المنطقة الخضراء التي ظلت ناشفة زاهية..أبرياء أتقياء!
على أن أهم حدث فيه هو أن أسبوعه الختامي شهد احتجاجات جماهيرية بدأت في الأنبار ثم امتدت إلى الموصل وسامراء ومناطق غربية أخرى.ولنا في ذلك تذكير بمقالات في "الأسبوعية والمدى ومواقع الحوار المتمدن والمثقف والنور " حذرنا فيها قبل أربع سنوات من أن أخطر ما حدث بعد التغيير هو تبادل الأدوار بين الطائفتين.فلأول مرّة في العراق تتولى السلطة الطائفة التي كانت في المعارضة عبر تاريخها الطويل،وتتحول إلى المعارضة الطائفة التي كانت في السلطة عبر التاريخ ذاته.ونبهنا إلى أن انتصار "الضحية"على من تعدّه "جلاّدها"يدفعها إلى التعبير بانفعالية في تضخيم ما أصابها من ظلم،وشرعنة الاقتصاص ممن كان محسوبا بصفة أو عنوان على "الجلاّد"،فشاعت بين "المظلومين" "ثقافة الضحية".. دفعت بسياسيين مأزومين طائفيا إلى أن يمارسوا العنف والقتل على الهوية. وابتكر المتطرفون،وبحقد أمريكي خبيث،قانون (الاجتثات) الذي هو أقرب إلى الثأر الجاهلي منه إلى العدل والقانون،ضد عشرات الآلاف كانوا قد أجبروا على الانتماء لحزب السلطة،أو أنهم اعتمدوا مبدأ "شعرة معاوية"في علاقتهم بالسلطة حفاظا على حياتهم وقوت يومهم.
التظاهرات في الأنبار بدأت بمزاج طائفي، وبشعارات قد يكون صحيحا أنها كتبت في دوائر مخابرات دول عربية وإسلامية، وبنفس فيه رائحة النظام الدكتاتوري، وأهازيج فتنة من قبيل :(يا إيران يا إيران جيش محمد هبّ الآن) و(بغداد النه وما ننطيها)، وباتجاه يوحي بأنه تحشيد بهدف إعادة الاصطفافات الطائفية للانتخابات المقبلة، ثم هدأ ليتحول إلى مطالب مشروعة من قبيل البت في قضايا اعتقال مضى عليها أشهر وسنوات،وتعذيب معتقلين، ثم اتجه إلى أن يكون وطنيا يدعو إلى محاسبة الفاسدين ومساءلة الحكومة عن المليارات المنهوبة وتصحيح مسار العملية السياسية. ولأن تيارها الأقوى تحول في الاتجاه الصحيح فقد خرجت تظاهرات في عدد من مدن الوسط والجنوب.. خشيت جهة سياسية حليفة للتي تقود السلطة أن تتحول إلى تظاهرت مليونية..مدركة أن تراكم الشعور بالحيف والمظلومية الذي أصاب طائفة سيتوحد مع مشاعر الوضع المتردي للطائفة الأخرى في قضية تصيب الطائفية في مقتل..تنهي معها تشكيل حكومات محاصصة جلبت الخراب للمدن والنكد للناس..وهذا ممكن جدا إن تفادى الشارع الدعوة إلى إسقاط الحكومة بالعصيان لأنه يعني الكارثة،وإن لم تأخذ الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة طريقها،لأنها تعني في هذه الأجواء الانفعالية..إعادة الشحن الطائفي بأعوام نكد جديدة.
إن مشكلة العقل السياسي العراقي أنه نتاج أزمات، تبرمج على المماحكات السياسية وإجادة فن المماطلة في التفاوض،وعدّه الصراع وجوب التغلّب على الآخر.وهو لا يقرأ ما يكتبه المثقفون،ولا استعان يوما بعقلاء البلد وحكماء القوم من غير المتعاطفين مع هذا على حساب ذاك.ولو أن الحكومة استجابت لمطلب تظاهرات التحرير قبل عام بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين،تبدأ بمحاكمة الحيتان..لما حصلت تظاهرات عام النكد.فولّد سكوتها اليقين لدى الناس بأن في كل فرقاء العملية السياسية فاسدين،وأن من يفضح سيكون مفضوحا..وتلك هي العلّة الأوجع..فلو أن الأموال التي نهبت استردت لما كانت هنالك مدن خربة ولما كان ربع سكان أغنى بلد في العالم..تحت خط الفقر.
إن الرهان سيكون على العراقيين أن توحد جماهير الطائفتين تحت خيمة الانتماء للوطن،أما العقل السياسي الحاكم فهو حرن،وإن بقت السلطة بيده فسيجعلنا في عامنا الجديد هذا نترحم على عام النكد!