انتهت حياة الزوجة بالطلاق...اتهمها الجميع بالسفه والتفاهة لأنها هدمت البيت لأسباب واهية..الزوج رجل ناجح ومحترم ولم يقصر يوما في طلبات بيته المادية..ماذا تطلب أكثر من ذلك!!!
لاحقتها كلمات التوبيخ والوعيد من الاهل والصديقات ونبوءات بنهاية حياتها وأنها ستشرب المر وتتحمله مع زوجها المحترم الذي لا يعيبه سوي عصبية زائدة عن الحد واجابتهم بلسان حاد فالت , ما أن يطمئن أنه بمأمن من أن يراه أحد حتي يبدأ في إطلاق دفعات من الهمز واللمز والسباب والتبكيت والتأنيب..
قالوا لها اشكري الله أنه يفعل ذلك سرا فلا يجرح كرامتك أمام الآخرين..
وقالت لي لكنه يدمي قلبي..كلماته تقتلني..لم أعد أحتمل أكثر من ذلك..الاستمرار كان سينتهي بنا لمأساة أو علي الأقل سيدفع بي لقضاء بقية عمري في مستشفي للأمراض العصبية..
حالة السيدة س لا تتعاطف معها مجتمعاتنا الشرقية ولا تعترف بمبرراتها رغم أن تراثنا الديني والموروث الحضاري حفلا بالكثير من الوصايا التي تؤكد علي ضرورة مراعاة البعد النفسي والعاطفي في التعامل مع المرأة. فقد منح سيدنا محمد ( ص) المرأة حق خلع زوجها الذي لم تعب عليه خلقا لمجرد أنها لا تطيقه , كما حفلت آيات الإنجيل والمزامير ومسلة حمورابي بنصوص تحض علي تكريم المرأة ومراعاة حقوقها ,فهي الأم والزوجة والشقيقة والحبيبة.
الأكثر من ذلك أن الكثير من موروثنا الشعبي يضع المرأة في مكانة عالية , فهي الرباط الذي يجمع العائلة وهي الحافظة للعادات والتقاليد وهي القانون.
من ناحية أخري , مع تطور البشرية ظهر كم لا بأس به من القوانين والنصوص الدولية التي تحارب التمييز ضد المرأة وتجرم تعرضها للعنف المادي أو المعنوي. ففي الإعلان العالمي للقضاء علي العنف ضد المرأة والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الاول 1993 تم تعريف العنف بأنه أي فعل عنيف يتم علي أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذي أو معاناة جسمانية أو جنسية أو نفسية بما في ذلك التهديد باقتراف هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء في الحياة الخاصة أو العامة .
فإذا حاولنا أن نترجم كلمات هذا النص سنجد أن الكثير من أقوالنا وأفعالنا اليومية تندرج تحت تعريف ممارسة العنف. وعلي سبيل المثال فإن الصراخ والتعنيف والنقد المستمر وإصدار الأوامر والابتزاز العاطفي والإجبار والشك والمراقبة طوال الوقت ومنع الاختلاط بالأسرة أو الأصدقاء أو الإجبار علي ترك العمل والتحكم في إنفاق الأموال والإهانة أمام الآخرين وعدم الاهتمام بالحفاظ علي ممتلكات الآخر والاستهانة بالاحتياجات النفسية والتهديد بالإيذاء البدني وإلقاء اللوم علي الآخر واتهامه بأنه سبب الانفجارات العصبية, مؤشرات واضحة علي التعرض للقهر المادي والمعنوي.
الخطير في الموضوع الدراسات النفسية وخبراء العلاقات الزوجية أكدوا أن العنف اللفظي لا يقل خطورة عن الإيذاء البدني إذ يؤثر علي الصحة البدنية والنفسية. وتتجلي آثار التعرض لهذا النوع من العنف في الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس والتوتر وعدم القدرة علي اتخاذ القرار والعزلة ومحاولة تفريغ شحنة الغضب المكبوتة في سلوكيات عدوانية غالبا ما يكون أول ضحاياها الأبناء.. كذلك فقد أرجعت عدد من الدراسات التربوية تفشي ظاهرة العنف في المدارس لتعرض الصغار لمواقف كانوا هم أو أحد المقربين إليهم فيه ضحية لعنف مادي أو معنوي..
باختصار هي دائرة جهنمية مفرغة تحاصر المراة , ومن غير المعقول أن نغمض أعيننا عنها أو أن نتجاهلها تحت أي مسمي..فنحن الرجال بشكل أو آخر مسؤولين مسؤولية كبيرة على هذا التجني الواضح في علاقتنا مع المراة وبالتالي علينا جميعا نساء كنا أم رجالا أن نبدأ في مراجعة أنفسنا قبل أن يصل بنا الحال كما حالت (س) عندما دخلت أقرب مستشفي للأمراض العصبية..