الرئيسية > أعمدة واراء > عنف المجتمع ضد المراة المطلقة

عنف المجتمع ضد المراة المطلقة

نشر في: 10 فبراير, 2013: 08:00 م

انتهت حياة الزوجة ‏ ‏بالطلاق‏...‏اتهمها‏ ‏الجميع‏ ‏بالسفه‏ ‏والتفاهة‏ ‏لأنها‏ ‏هدمت‏ ‏البيت‏ ‏لأسباب‏ ‏واهية‏..‏الزوج‏ ‏رجل‏ ‏ناجح‏ ‏ومحترم‏ ‏ولم‏ ‏يقصر‏ ‏يوما‏ ‏في‏ ‏طلبات‏ ‏بيته‏ ‏المادية‏..‏ماذا‏ ‏تطلب‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏!!!‏

لاحقتها‏ ‏كلمات‏ ‏التوبيخ‏ ‏والوعيد من الاهل والصديقات ‏ ‏ونبوءات‏ ‏بنهاية حياتها ‏‏ ‏وأنها‏ ‏ستشرب‏ ‏المر‏ ‏وتتحمله‏ ‏مع‏ ‏ زوجها‏ ‏المحترم‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يعيبه‏ ‏سوي‏ ‏عصبية‏ ‏زائدة‏ ‏عن‏ ‏الحد‏  واجابتهم بلسان ‏ ‏ ‏حاد‏ ‏فالت‏ , ‏ما‏ ‏أن‏ ‏يطمئن‏ ‏أنه‏ ‏بمأمن‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يراه‏ ‏أحد‏ ‏حتي‏ ‏يبدأ‏ ‏في‏ ‏إطلاق‏ ‏دفعات‏ ‏من‏ ‏الهمز‏ ‏واللمز‏ ‏والسباب‏ ‏والتبكيت‏ ‏والتأنيب‏..‏

قالوا‏ ‏لها‏ ‏اشكري‏ ‏الله‏ ‏أنه‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏سرا‏ ‏فلا‏ ‏يجرح‏ ‏كرامتك‏ ‏أمام‏ ‏الآخرين‏..‏

‏وقالت‏ ‏لي‏ ‏لكنه‏ ‏يدمي‏ ‏قلبي‏..‏كلماته‏ ‏تقتلني‏..‏لم‏ ‏أعد‏ ‏أحتمل‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏..‏الاستمرار‏ ‏كان‏ ‏سينتهي‏ ‏بنا‏ ‏لمأساة‏ ‏أو‏ ‏علي‏ ‏الأقل‏ ‏سيدفع‏ ‏بي‏ ‏لقضاء‏ ‏بقية‏ ‏عمري‏ ‏في‏ ‏مستشفي‏ ‏للأمراض‏ ‏العصبية‏..‏

حالة‏ ‏السيدة‏ ‏س‏ ‏لا‏ ‏تتعاطف‏ ‏معها‏ ‏مجتمعاتنا‏ ‏الشرقية‏ ‏ولا‏ ‏تعترف‏ ‏بمبرراتها‏ ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏تراثنا‏ ‏الديني‏ ‏والموروث‏ ‏الحضاري‏ ‏حفلا‏ ‏بالكثير‏ ‏من‏ ‏الوصايا‏ ‏التي‏ ‏تؤكد‏ ‏علي‏ ‏ضرورة‏ ‏مراعاة‏ ‏البعد‏ ‏النفسي‏ ‏والعاطفي‏ ‏في‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏المرأة‏. ‏فقد‏ ‏منح‏ ‏سيدنا‏ ‏محمد‏ ( ‏ص‏) ‏المرأة‏ ‏حق‏ ‏خلع‏ ‏زوجها‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏تعب‏ ‏عليه‏ ‏خلقا‏ ‏لمجرد‏ ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تطيقه‏ , ‏كما‏ ‏حفلت‏ ‏آيات‏ ‏الإنجيل‏ ‏والمزامير‏ ‏ومسلة حمورابي ‏ ‏بنصوص‏ ‏تحض‏ ‏علي‏ ‏تكريم‏ ‏المرأة‏ ‏ومراعاة‏ ‏حقوقها‏ ,‏فهي‏ ‏الأم‏ ‏والزوجة‏ ‏والشقيقة‏ ‏والحبيبة‏.‏

الأكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏موروثنا‏ ‏الشعبي‏ ‏يضع‏ ‏المرأة‏ ‏في‏ ‏مكانة‏ ‏عالية‏ , ‏فهي‏ ‏الرباط‏ ‏الذي‏ ‏يجمع‏ ‏العائلة‏ ‏وهي‏ ‏الحافظة‏ ‏للعادات‏ ‏والتقاليد‏ ‏وهي‏ ‏القانون‏.‏

من‏ ‏ناحية‏ ‏أخري‏ , ‏مع‏ ‏تطور‏ ‏البشرية‏ ‏ظهر‏ ‏كم‏ ‏لا‏ ‏بأس‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏القوانين‏ ‏والنصوص‏ ‏الدولية‏ ‏التي‏ ‏تحارب‏ ‏التمييز‏ ‏ضد‏ ‏المرأة‏ ‏وتجرم‏ ‏تعرضها‏ ‏للعنف‏ ‏المادي‏ ‏أو‏ ‏المعنوي‏. ‏ففي‏ ‏الإعلان‏ ‏العالمي‏ ‏للقضاء‏ ‏علي‏ ‏العنف‏ ‏ضد‏ ‏المرأة‏ ‏والذي‏ ‏تبنته‏ ‏الجمعية‏ ‏العامة‏ ‏للأمم‏ ‏المتحدة‏ ‏ في كانون  الاول ‏ 1993 ‏تم‏ ‏تعريف‏ ‏العنف‏ ‏بأنه‏ ‏أي‏ ‏فعل‏ ‏عنيف‏ ‏يتم‏ ‏علي‏ ‏أساس‏ ‏الجنس‏ ‏ينجم‏ ‏عنه‏ ‏أو‏ ‏يحتمل‏ ‏أن‏ ‏ينجم‏ ‏عنه‏ ‏أذي‏ ‏أو‏ ‏معاناة‏ ‏جسمانية‏ ‏أو‏ ‏جنسية‏ ‏أو‏ ‏نفسية‏ ‏بما‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏التهديد‏ ‏باقتراف‏ ‏هذا‏ ‏الفعل‏ ‏أو‏ ‏الإكراه‏ ‏أو‏ ‏الحرمان‏ ‏التعسفي‏ ‏من‏ ‏الحرية‏ ‏سواء‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏الخاصة‏ ‏أو‏ ‏العامة‏ .‏

‏فإذا‏ ‏حاولنا‏ ‏أن‏ ‏نترجم‏ ‏كلمات‏ ‏هذا‏ ‏النص‏ ‏سنجد‏ ‏أن‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏أقوالنا‏ ‏وأفعالنا‏ ‏اليومية‏ ‏تندرج‏ ‏تحت‏ ‏تعريف‏ ‏ممارسة‏ ‏العنف‏. ‏وعلي‏ ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏فإن‏ ‏الصراخ‏ ‏والتعنيف‏ ‏والنقد‏ ‏المستمر‏ ‏وإصدار‏ ‏الأوامر‏ ‏والابتزاز‏ ‏العاطفي‏ ‏والإجبار‏ ‏والشك‏ ‏والمراقبة‏ ‏طوال‏ ‏الوقت‏ ‏ومنع‏ ‏الاختلاط‏ ‏بالأسرة‏ ‏أو‏ ‏الأصدقاء‏ ‏أو‏ ‏الإجبار‏ ‏علي‏ ‏ترك‏ ‏العمل‏ ‏والتحكم‏ ‏في‏ ‏إنفاق‏ ‏الأموال‏ ‏والإهانة‏ ‏أمام‏ ‏الآخرين‏ ‏وعدم‏ ‏الاهتمام‏ ‏بالحفاظ‏ ‏علي‏ ‏ممتلكات‏ ‏الآخر‏ ‏والاستهانة‏ ‏بالاحتياجات‏ ‏النفسية‏ ‏والتهديد‏ ‏بالإيذاء‏ ‏البدني‏ ‏وإلقاء‏ ‏اللوم‏ ‏علي‏ ‏الآخر‏ ‏واتهامه‏ ‏بأنه‏ ‏سبب‏ ‏الانفجارات‏ ‏العصبية‏, ‏مؤشرات‏ ‏واضحة‏ ‏علي‏ ‏التعرض‏ ‏للقهر‏ ‏المادي‏ ‏والمعنوي‏.‏

‏ ‏الخطير‏ ‏في‏ ‏الموضوع‏ ‏الدراسات‏ ‏النفسية‏ ‏وخبراء‏ ‏العلاقات‏ ‏الزوجية‏ ‏أكدوا‏ ‏أن‏ ‏العنف‏ ‏اللفظي‏ ‏لا‏ ‏يقل‏ ‏خطورة‏ ‏عن‏ ‏الإيذاء‏ ‏البدني‏ ‏إذ‏ ‏يؤثر‏ ‏علي‏ ‏الصحة‏ ‏البدنية‏ ‏والنفسية‏. ‏وتتجلي‏ ‏آثار‏ ‏التعرض‏ ‏لهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏العنف‏ ‏في‏ ‏الاكتئاب‏ ‏وفقدان‏ ‏الثقة‏ ‏بالنفس‏ ‏والتوتر‏ ‏وعدم‏ ‏القدرة‏ ‏علي‏ ‏اتخاذ‏ ‏القرار‏ ‏والعزلة‏ ‏ومحاولة‏ ‏تفريغ‏ ‏شحنة‏ ‏الغضب‏ ‏المكبوتة‏ ‏في‏ ‏سلوكيات‏ ‏عدوانية‏ ‏غالبا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏أول‏ ‏ضحاياها‏ ‏الأبناء‏.. ‏كذلك‏ ‏فقد‏ ‏أرجعت‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الدراسات‏ ‏التربوية‏ ‏تفشي‏ ‏ظاهرة‏ ‏العنف‏ ‏في‏ ‏المدارس‏ ‏لتعرض‏ ‏الصغار‏ ‏لمواقف‏ ‏كانوا‏ ‏هم‏ ‏أو‏ ‏أحد‏ ‏المقربين‏ ‏إليهم‏ ‏فيه‏ ‏ضحية‏ ‏لعنف‏ ‏مادي‏ ‏أو‏ ‏معنوي‏.. ‏

باختصار‏ ‏هي‏ ‏دائرة‏ ‏جهنمية‏ ‏مفرغة‏ ‏تحاصر المراة , و‏من‏ ‏غير‏ ‏المعقول ‏ ‏أن‏ ‏نغمض‏ ‏أعيننا‏ ‏عنها‏ ‏أو‏ ‏أن‏ ‏نتجاهلها‏ ‏تحت‏ ‏أي‏ ‏مسمي‏..‏فنحن الرجال ‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏آخر‏ مسؤولين مسؤولية كبيرة على هذا التجني الواضح في علاقتنا مع المراة  ‏ ‏وبالتالي‏ ‏علينا‏ ‏جميعا‏ ‏نساء‏ ‏كنا‏ ‏أم‏ ‏رجالا‏ ‏أن‏ ‏نبدأ‏ ‏في‏ ‏مراجعة‏ ‏أنفسنا‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏بنا‏ ‏الحال‏ ‏كما حالت (س) ‏عندما دخلت  ‏ ‏ ‏أقرب‏ ‏مستشفي‏ ‏للأمراض‏ ‏العصبية‏..‏

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تقارب طهران وواشنطن بوابة لحل أزمات العراق الاقتصادية

النساء يتحدن ضد تعديل الأحوال الشخصية والقضاء يتفاعل والمحكمة تحسم في أيار

عطلة رسمية للمسيحيين في 20 و21 نيسان

الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة

كردستان تعطل الدوام غداً احتفالاً برأس السنة الإيزيدية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: اربيل تقرأ

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram