هذا ما توصل إليه الدكتور والأستاذ الجامعي في جامعة أهل البيت عبد الجواد البيضاني الذي ضيفه قصر الثقافة والفنون في كربلاء ليتحدث عن الاستشراق ونشأته وتاريخه وأهميته وتأثيره على العرب والمسلمين.

في بداية الأمسية قال مقدمها الدكتور محمد عبد فيحان أن الاستشراق والمستشرقين جزء من حركة التاريخ والحياة وهناك من يعدها ظاهرة حضارية أثرت في الثقافة العربية والإسلامية وهناك من يعدها ان المستشرقين مدو جسور التواصل والتفاعل بين الحضارات.. وأضاف ان هناك من عدها مؤامرة على الأفكار والحياة والسيطرة على العرب والمسلمين وإنها جزء من حركة الاستعمار.. وأشار انه ما بين هذين الرأيين يبرز رأي ثالث ان حركة الاستشراق مهما كانت أهدافها لكنها مفيدة لأنها حققت التواصل الحضاري والفكري والثقافي والاجتماعي بين حضارتين مهمتين في العالم من خلال التركيز على الدين الإسلامي وسبر أغواره واكتشاف فاعليته في التأثير الإنساني.

وتحدث المحاضر الدكتور في جامعة أهل البيت عبد الجواد البيضاني قائلا ان الاستشراق فهم وعلم متكامل ودرست أبعاده وأسقطت خرائطه على وفق مرتسمات المستشرقين وتصوراتهم في بناء دول الشرق الاسلامي وتراكيبها الدينية والفكرية والسياسية.. وأضاف انه لا بد ان نتعرف على البيئة التي ولد فيها الاستشراق فيما اذا كان ثقافة ام مقصود لأهداف اخرى لأنه اي الاستشراق استطاع ان يقسم العقل الاسلامي والثقافي والأدبي ونتائجه الانقسام بالبيئة المحلية.. وأشار الى ان الاستشراق يتناثر ويدخل في تخصصات متباينة كالتاريخ والسيسيولوجيا والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة خاصة وعلى ضوء الفكر الاستشراقي هناك منطقة وسطى يبدأ التشكيل في كل شيء.. ويوضح ان هناك مفردتين الاولى مستشرق وهناك مفهوم اسمه الاستشراق والمسافة الزمنية بينهما تصل الى 400 سنة والمستشرقون حن بدأوا كانت هناك مدارس حصدت العالم ليصل الى النتائج المرجوة ..مؤكدا ان الغرب وضع المفردة ووضع دلالاتها ووضع لها أوجه عدة ونحن استلمناها جاهزة.. وتابع ان الاستشراق من صنع الغرب لفظة وترجم وتسويقها مقصود حتى انه لم يعد هنا عالم واحد اسمه الاستشراق بل هنا عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به وعرج الى مفهوم الاستشراق اللغوي فقال انه لم ترد في تراثنا اللغوي إذ ظهر مصطلح الاستشراق في أدبيات الغرب منذ ما يقرب القرنين من الزمان أما تسمية مستشرق فقد ظهرت قبل مفهوم الاستشراق بثلاثة قرون "وأن أول مؤتمر دولي عقد للمستشرقين كان في باريس عام 1873 وتمت بموجبه توزيع خرائط الكنوز والآثار والمكتبات العلمية والمخطوطات بين الدول الأعضاء في أوروبا فكانت حصة بريطانيا العراق ومصر لألمانيا والمغرب العربي لفرنسا وليبيا لإيطاليا وهو ما يعني معاهدة سايكس بيكو.. ويلفت البيضاني الى أن الاستشراق جاء ضد الإسلام والعرب لتحطيم قوتهم وإضعاف حضارتهم مبينا ان الاستشراق مر بأربع مراحل الأولى النهوض الإسلامي ثم النقوص الإسلامي ثم التنظيم له وبعدها الرابعة هي مرحلة الغزوات العسكرية والثقافية

وشهدت الأمسية العديد من المداخلات التي بدأها الأديب علي لفته سعيد بقوله ان مشكلة العرب انهم يشككون في كل شيء حتى في الأشياء التي يمكن ان تؤدي الى حصول فائدة كبيرة ثقافية منها.. وأضاف ان الاستشراق جاء بهدف دراسة الآخر وعلينا ان نفهم الآخر ايضا ..وأكد لماذا مثلا حين نترجم الإنجيل الى العربية لا يعتبر مؤامرة على الغرب وحين يترجم القرآن الكريم الى الإنكليزية نعده مؤامرة؟ وتساءل سعيد ايضا ان الحضارة الإسلامية لا تعني انها فتوحات وغزوات نحن من جعلناها مهمة مقدسة لان الآخر ألا يراها كذلك بالضبط مثل الحروب والاحتلالات الأخرى التي تجري على المنطقة العربية والإسلامية؟ مؤكدا ان الضعف في العرب وقلة التفهم للآخر جعل الحاضنة العربية قابلة لإنشاء أصوليات متطرفة لأنها تعقد ان الغرب ثقف لها بالمرصاد وما داعش إلا نتيجة لهذه الشكوك.. ويوضح انه لا يوجد في العالم لا يحمل تناقضاته الإيجابية والسلبية ولمن علينا ان نفهم الإيجابيات ونأخذها وندرس السلبيات لنتجاوزها ولا يجب ان نأتي ونقول بعد قرون ان الاستشراق كان مؤامرة إذن ماذا نسمي العصر الأموي والعباسي مثلا الذي كان حافلا بالترجمات فهل هناك مؤامرة على الغرب او الدين المسيحي؟

والباحث حسن عبيد عيسى قال انه لابد من التذكير أن مصطلح الاستشراق لم يعد قائما.. فالمؤتمر الاستشراقي الذي عقد سنة 1973 قرر انهاء الاستشراق الذي عقد مؤتمره الاول سنة 1873 وتحولت مهامه في الوقت الحاضر الى مراكز للدراسات كونها أقل بشاعة وأكثر مقبولية عند الغالبية من المسلمين مما ينطوي عليه عمل الاستشراق الكلاسيكي.. وأضاف ان البداية الحقيقية للاستشراق هي الحملة الصليبية الأخيرة كما ذكرت دونما بقية التواريخ.. ففي تلك الحقبة قرر الصليبيون تأجيل جهدهم العسكري لحين استكشاف أسرار ومكامن قوة المسلمين، فأسسوا للاستشراف الذي أنيطت به تلك المهام.. وتساءل إلى متى ونحن نتمحور حول التاريخ ونقف عند حدوده لا نغادرها لان كل ما نعاني منه ونعيش سوءه هو نتاج غرس الاستشراق.. فنحن الآن نعيش ربيع مخططات برنارد لويس الأب الروحي للمحافظين الجدد في أمريكا والمنظر الحقيقي لهم مؤكدا ان ما حصل في الربيع العربي المزعوم وما أعقبه من موجة تجهيل وتكفير وتدمير الا بعض حلقات مخططاته

الباحث عبد الهادي البابي قال ايضا ان الاستشراق هو حالة رافقت عمليات الاستكشاف الأولى والرحلات البحرية البعيدة التي قامت بها بعض الدول الأوربية منذ بداية القرن الرابع عشر الميلادي حيث أن عملية الاستشراق هي أشبه بدراسة ميدانية لعادات وتقاليد وثقافات الشعوب المراد استكشاف أراضيها ومنها أيضاً معرفة مواطن القوة والضعف عند تلك الشعوب والأمم حتى يسهل السيطرة عليها وعلى مواردها الاقتصادية دون خوض صراعات دموية واستنزاف قواها البشرية. وتساءل البابي هل أن هذا الاستشراق وبعد أن حقق أغراضه وأنجز أهدافه هل لازال الغربي مستمراً في عالمنا العربي أم أنه توقف ؟

واختتم المداخلات الدكتور الناقد علي حسين يوسف بقوله انه علينا ان نتخلص من الشعور بالدونية اتجاه الآخر والحضارات تتلاقح لذلك فان الاستشراق بدا بطريقة علمية لاستكشاف الحضارة الإسلامية وهو يعني إعجابا بالشرق وان الواقع عند الغرب لا يعطي الصورة الحقيقية للإسلام والشرق لذا فالاستشراق جاء كفعل حضاري له آلياته وأسبابه ومن المهم التفاعل معه وهو ما نريد الفهم إليه لكي نصل الى نتائجه وندرس الغرب مثلهم ولدينا القوة التي تفعل ذلك ولا نقف عند حدود إدوارد سعيد ا مقولات جاهزة بل هناك دراسات عديدة عن فهم الغرب لنا وعن فهمنا لهم وهو ما نريده