ضيّف المقهى الثقافي العراقي بلندن يوم الأحد الماضي الشاعر عواد ناصر الذي قرأ منتخبات من قصائده عبر مسيرة شعرية طويلة امتدت من عام 1972 عندما نشر أولى قصائده في صحيفة (الفكر الجديد) الأسبوعية في بغداد حتى اليوم، وكان الفنان المبدع فيصل لعيبي المشرف عل
ضيّف المقهى الثقافي العراقي بلندن يوم الأحد الماضي الشاعر عواد ناصر الذي قرأ منتخبات من قصائده عبر مسيرة شعرية طويلة امتدت من عام 1972 عندما نشر أولى قصائده في صحيفة (الفكر الجديد) الأسبوعية في بغداد حتى اليوم، وكان الفنان المبدع فيصل لعيبي المشرف على المقهى وراء نجاح الأمسية والتحضير لها وتصميم بوسترها الإعلاني.
قدم الشاعر فاضل السلطاني صديقه ناصر بعد ما تلازما بصحبة حميمة منذ أكثر من أربعين عاماً، ولم يفترقا إلا عندما يفرض المنفى أمكنته التي تعددت من الجزائر حتى دمشق ثم لندن.
أشار السلطاني في مداخلة نقدية أكثر منها احتفائية إلى عناصر أساسية في تجربة عواد ناصر، واصفاً قصيدته بأنها قصيدة المشهد، حيث تحتشد بحركة الناس في أطوارهم المتقلبة، إذ ثمة، دائماً، الناس، جماعة أو أفراداً، وهم ناس من لحم ودم يتحركون في ذاكرة الشاعر أو أمام عينيه، بمختلف أحوالهم في وطن قاس: المرأة والرجل والطفل، الحبيبة والأم والصديق والإبن، في البيت والشارع والسوق.
كما أشار السلطاني إلى أن قصيدة عواد تخففت من جملة البلاغة العربية والزخرف اللغوي لأنها قصيدة فكرة، وإن كانت الصورة الشعرية موجودة، والأمر يتفاوت بين قصيدة وأخرى حيث لكل قصيدة عالمها الخاص.
وكشف أن الكثير من الشعراء العراقيين ركنوا إلى الأسطورة ومن أجيال مختلفة رمزاً أو متكأً، لكن ناصر نادراً ما لجأ إلى الأسطورة في تجربته، كما لم يلجأ إلى التخفي وراء قناع، مثلما جرب الكثير من الشعراء.
وأشار السلطاني إلى أحد عناصر القصيدة لدى ناصر وهو السخرية عنصراً رجراجاً في القصيدة العربية لأنها قد ترفع النص وتغذيه أو تخفضه وتؤذيه، وهذا توصيف وليس مقارنة إذا كثيراً ما حفلت قصيدة عواد بهذا العنصر.
من ناحيته قال الشاعر عواد ناصر للمدى: إن مداخلة الصديق الشاعر فاضل السلطاني في مقدمة النقود التي كتبت عن تجربتي ، لأن السلطاني قرأني بشكل موضوعي وأعانني على معرفة موقعي واتجاه خطواتي على طريق القصيدة. كنت سعيداً جداً بما قاله صديقي الأثير السلطاني لما أبداه من صبر في استعادة قراءة قصائدي والغوص عميقاً في طبقاتها وكشف خباياها وتأويلها معرفياً وجمالياً.
بدأ الشاعر بتحية الحاضرين بالأخص الفنان المبدع فيصل لعيبي والشاعر الجميل فاضل السلطاني، ثم قرأ قصائده لتمتد القراءة أكثر من ساعة تخللتها استراحة قصيرة.
كانت بغداد حاضرة، اسماً ورسماً، في قصائد الشاعر، ولم تغب حروب الطغاة والمقابر الجماعية واحلام الناس بالحب والمغفرة والسلام عن نصوص الشاعر، نجح الشاعر في التقاط ذلك الخيط غير المرئي بين الناس والشعر، ومع أن حضور المرأة/ الحبيبة كان لافتاً في قصائد الشاعر إلا أنها لم تكن صورة تقليدية للحبيبة بل حال شعرية مركبة يتناوشها الحضور والغياب والفهم واللافهم والتباسات الحرب والحب حتى في أكثر اللحظات حميمية:
"أنا امرأةٌ يتشظّى على شفتيها الرضابُ.
أبثُّ شُكاتي
وأفضحُ ما تدّعيِهِ العمائمُ،
أكشفُ ما خلَّفتْهُ على حلمتيّ الحروبُ التي شنّها الأوّلونَ ليربحها الآخرونْ
ولكنّني، وحديَ، الخاسرةْ.
عراقيّةٌ تعبرُ النهرَ ما بينَ موسى بن جعفرَ والأعظميّةِ فجراً،
وعمّدَني دجلةُ الأزليُّ ليجعلَني أقربُ الكائناتِ إلى العرش" - قصيدته (اعترافات امرأة عراقية بين يدي آية الله).
(المقهى الثقافي) بلندن يمثل مركزاً للتنوير الثقافي ومكاناً للقاءات الثقافية وقدم منذ تأسيسه الكثير من الندوات الفنية والأدبية وتكرس في السنوات الأخيرة أحد أنشط المراكز الثقافية في العاصمة البريطانية رغم شحة الإمكانات المالية، حيث لم يحظ بأي دعم مالي من أية جهة حكومية أو غير حكومية، وللفنان المعروف فيصل لعيبي الدور الأبرز في إنجاح نشاطاته المتنوعة بمعاونة الفنان على رفيق.
كانت الأمسية ناجحة، بجميع المقاييس، وحظيت قصائد الشاعر عواد ناصر باستجابة واضحة وتلقائية من قبل الحاضرين الذين تقدمتهم نخبة من الكتاب والفنانين والصحفيين.