زيارة مقر صحيفة "الأهرام" حدث! فالمكان ارتبط بنهضة حقيقية شهدتها مصر منذ قرابة قرن، كانت لها الريادة في الصحافة والإعلام، واليوم ورغم الانحسار "القومي" للصحيفة فإن قيمتها المحلية ما زالت كبيرة عند الناس وترتيب المهرجان لمجموعة من الصحافيين زيارتها يت
زيارة مقر صحيفة "الأهرام" حدث! فالمكان ارتبط بنهضة حقيقية شهدتها مصر منذ قرابة قرن، كانت لها الريادة في الصحافة والإعلام، واليوم ورغم الانحسار "القومي" للصحيفة فإن قيمتها المحلية ما زالت كبيرة عند الناس وترتيب المهرجان لمجموعة من الصحافيين زيارتها يتساوق مع اعتبارات مهنية وذات صلة بحملات إعلامية تهاجم المهرجان ورئيسه وبالتالي فـ"الأهرام" معنية بها لعنايتها برصد كل ما يدور حولها في مصر، والمهرجان وفي اللحظة، واجهة لحراك ينشد التوكيد على ثقافة البلاد وفنونها. صور رؤساء تحرير الجريدة منذ صدور عددها الأول حتى اليوم يولد إحساساً بعراقة المطبوع وديمومته. أما خارج المبنى فالحدث/ الزيارة يكشف مقدار شدة العلاقة بينها وبين متلقيها، فصبيحة اليوم التالي ونحن نسير في أروقة الفندق أستوقفنا أكثر من واحد، أخبرنا بفرح "صورتكم ظهرت اليوم في الأهرام!". ربما، "اللقطة" هذه تعبر عن تميز المصريين في تفاعلهم الشديد مع وطنهم. حتى اللحظة "الوطني" هو الغالب والمهرجان في تفاصيله يعلن وفي أكثر من مناسبة وتفصيل عن "وطنيته"، حتى بعض الأفلام الأجنبية المقررة في البرنامج، فيها لمحات من مصر، مثل تحفة جون بورمان "ملكة وبلد" حيث يقيم بطله في جزيرة اقتبست اسمها من اسم أحد قادة الفراعنة والوثائقي الايطالي الرائع "الساحة السحرية" لأندريا براندسترالر و نيكولو برونا يحكي عن عرض في الهواء الطلق، هو الأكبر في العالم، لأوبرا "عايدة". كل شيء له علاقة بمصر "أم الدنيا" فالمصريون عالمهم مصر وبه يكتفون!. هل يكتفون حقاً؟ سؤال له صلة مباشرة بالحراك السياسي الذي كشف ان مصر ما عادت تكتفي بنفسها وأكثر تجليات هذا المتغير أو الانتباه اليه يأتي من السينما، التي لم تعد مصرية خالصة ، لقد دخلت عليها أطراف جديدة كما هو الحال في السياسة لم تعد اللاعب الوحيد في الملعب، وما يتعرض له المهرجان من انتقادات هو في هذا السياق. من المؤكد ان الأخطاء التقنية واللوجستية ليست قليلة ولا بد من الاشارة اليها خدمة للمهرجان نفسه. ولكن ايجابياته ليست قليلة أيضاً، ولابد من التذكير بها. أما الانحيازات "القاتلة" فتظهر حين يغلب الناظر اليها طرفاً على حساب طرف آخر، لدرجة تبدو فيه الملاحظات هجوماً أكثر منها تنبيهاً من أجل تقويم.
على مستوى الشارع؛ القاهرة يوم الخميس غيرها في باقي الأيام، زحام شديد، مصدره البحث عن الأفراح والمتعة، وهما دافعاه القويان. رغبات معلنة للتخلص من ثقل أيام الاسبوع، تجسيداتها تأخذ أشكالا عدة من بينها الذهاب الى السينما. قاعات "مجمع الأوبرا" يشهد توافداً استثنائياً وبخاصة عروضه المسائية. عوائل وأطفال يبحثون عن متنفسٍ في بلد مثقل بالانتظار. كل خطوة موضع اختبار ومحملة بأسئلة فوق طاقتها في أكثر الأحيان كالمهرجان نفسه فاللغط الذي يحيط بمفرداته مثير للاستغراب لأنه يعامل الفعالية المهمة بدون شك وكأنه ثورة جديدة بعد يناير. إعلام ينشط في كل الاتجاهات فيما يسير برنامج الدورة الـ 36 وفق ما مرسوم له غير متأثر بالعوامل الخارجية الضاغطة على العاملين فيه دون شك. في زحمة المواصلات والمقاهي وقاعات السينما يصعب الحديث عن تنظيم دقيق ولكن ما يفرح أن الملاحظات الصغيرة تأخذ طريقها أحياناً وبسرعة غير معتادة وسط "كسل" عام. وَصَلنا كلام لمقدم الأفلام والضيوف بأهمية تذكير الجمهور بضرورة إغلاق التلفونات المحمولة وأجهزة الحاسوب، أثناء العرض، لم يأخذ بها في اليوم الأول ولا الثاني ولكن وفي اليوم الثالث قالها للجمهور. يقيناً أنهم (الجمهور) لن يستجيبوا اليه بالكامل لكن الدعوة وتكرارها يؤسسان لسلوك سيرسخ مشاهدة صحيحة، صعب قبولها بادئ الأمر لكن مع الوقت ستتجذر وهذا ما يخطط له سمير فريد وفريقة. يريدون ترسيخ تقاليد صحيحة تبدأ بالبرمجة وتنتهي بقواعد احترام المشاهد والآخر. مهمة عسيرة تواجه بشراسة لكن العقل "التنويري" لم يخب في مصر بعد ولن يخبو كما نأمل. في السياق نفسه بعد أيام قليلة بدأ الجمهور يدرك أهمية ما جيء به من أفلام اليه، وما الذي يميز هذه الدورة عن سواها، وسيدرك لاحقاً ان ما يصنعه أصحاب مهرجان القاهرة يشبه ما صنعته فرق مهرجانات سينمائية كبيرة. سينتبه الناس الى قيمة دورة اختارت وثائقيات مهمة مثل "لقد جئنا كأصدقاء" للفرنسي هيبرت سوبر الذي عالج فيه الصراع بين دولتي السودان (الشمالية والجنوبية) وكيف يستثمره الغرب لصالحه فيما يبقى الشعب السوداني بقسيمه يعاني الفقر رغم خيرات البلاد العظيمة. المستغرب ان خصوم المهرجان حملوه قضايا خارجية ليست من داخله ولم يهتموا به كوثائقي هو من بين أهم الوثائقيات التي عملت عن منطقتنا. كل لقطة فيه قابلة للنقاش مثل المهرجان نفسه لكن شريطة توفر حسن النوايا. فالقاهرة اليوم بين خيارين: أما الخضوع للأحكام المسبقة الجاهزة أو الركون الى العقل ومحاكمته.