ربما لم يكن يحلم في يوم من الأيام من أنه سيغادر مدينته الصغيرة " طويريج" الى المجهول المرئي ليصل اخيراً الى المعلوم غير المتوقع ،ولكن هذا الوصول كلفه كثيراً من القهر والألم والحرمان فهل وصل الى بر الأمان ؟ أم وصل الى دوامات الاستبداد والظلم والواقع ا
ربما لم يكن يحلم في يوم من الأيام من أنه سيغادر مدينته الصغيرة " طويريج" الى المجهول المرئي ليصل اخيراً الى المعلوم غير المتوقع ،ولكن هذا الوصول كلفه كثيراً من القهر والألم والحرمان فهل وصل الى بر الأمان ؟ أم وصل الى دوامات الاستبداد والظلم والواقع المرير بعيداً عن كل الأحلام الخضراء التي كان يحلم بتحقيقها؟!!
يبقى رضا الظاهر ، في صراع مستمر مع واقعه الذي يعيشه كل يوم فهو يحاول مرة ركوب أمواج البحر الهائج ، ثم يقرر العدول عن ذلك الى السَكينة والعزلة والقلم والأوراق يصب جام غضبه عليها ومن خلالها ليحيلها سوداء قاتمة بعد ان كانت بيضاء ناصعه.
انه يعترف بصراحه ... "وتقدم التطورات العاصفة في عالمنا ، خصوصــــاً في العقديـــــن
الاخيرين ، ادلة متزايدة على ان الانهيار الكبيـــر لما كان يسمــــــــــى "الاشتراكية" كان من بين اسبابه العلاقــات غير السليمة وغيــــــــر الواضحة بين قوى وعناصر ومكونات العملية الاجتماعية،ومن بينــها العلاقة بين الثقافة والسياسة ،فغياب البديل الثقافي والقيمي هو الذي يفسر من بين أسباب اخرى، الانهيار المروع للأحزاب التي كانت حاكمة في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ، وهو الذي يفسر اندفاع الجماهير نحو قيم الثقافة الاستهلاكية وابتعادها عن شيء قدم لها ممارسه استبداديه وعجز عن تقديم بديل ثقافي أخلاقي لان تصوره للانسان والثقافة والفكر والأخلاق كان بعيداً عن الواقع المعاش..." (1)
وهذه الصراحة ، نابعة من كونه ، يؤمن بأن التناقض الجدلي للأشياء ينتج دائماً الأفضل، وان القبول والتسليم بالواقع دون جدليات ، لن يؤدي ابداً الى البديل الثقافي والقيمي المقبول ، او الحل الافضل، فعلى هذا ،فهو دائماً في صراع مستمر مع واقعه وفي جدليه دائمه في كل شيء حتى يصل الى الحقيقة ، ولو كلفه ذلك ضياع احلى سني عمره، طريداً،في جبال كردستان ثم مطروداً الى طريق صحراوية وعره وتلول لم تطأها قدم في شرق البلاد موغلاً في أراضي خراسان ليجد نفسه مجبراً على العيش في احدى ولايات الدولة العباسية لمدة من الزمن الى
ان يأذن له الحظ بالرحيل الى بلاد أخرى ، لعلها ، عدن في اليمن،حيث الارض الخصبة للأفكار الاشتراكية الماركسية اللينينية الماوية الناصرية اليعربية !!! . . .
وفي كل الأحوال ،هو يشعر دائماً ،بإرواء عطشه نحو جدليات الحقيقة، ولكن هل الرحلة انتهت؟
يحتدم صراعه وجدلياته،ويظهر ذلك بوضوح،في بحثه في "قضايا الصراع بين الثقافي والسياسي، فهو يرفض التعامل بطريقه فجه مع المثقفين ويعتبره فهماً متخلفاً للثقافة ولدور المثقفين حتى وان كان هذا الفهم صادراً عن الأحزاب الماركسية، ففي تقديره ان البرجوازي الصغير ليس هو المثقف والعامل لايكون في كل الأحايين جاهلاً ، فيقرر . . . . " ونشأ في الحزب الماركسي بعض المثقفين البيروقراطيين الخانعين، المنفذين الميكانيكيين لتعليمات القيادة، المتعلمين من ذوي المواهب المحدودة والخاملة، بينما هناك كثير من المثقفين ممن كانوا يخشون التشهير والتضليل المتعمد ونعتهم بالوصفات الجاهزه:تحريفيون،انتهازيون،يمينيون،يساريون،متطرفون، ليبراليون، اصلاحيون، براغماتيون،ديماغوجيون، وما الى ذلك من التهم المفبركة التي باتت سلاحاً بيد قيادات حزبيه تخشى المثقفين والثقافة! ! ! (2).
وهنا لا أشك فيما تقدم ،بأن رضا الظاهر لن ولم يكن في يوم من الأيام يخاف من قول الحقيقة . ففي بحثه (الثقافة والديموقراطية)يؤكد على ان "بعض الماركسيين الذين كانوا،حتى الامس القريب،من أشد المتعصبين لهذه النظرية"يقصد نظريه الثقافة والحريه"ورؤيتها لموضوعة الديمقراطية، ثم "افاقوا من ضلالهم"يرون ان الماركسية ذاتها نظرية شمولية تقود الى الاستبداد"(3)، ويعتبر هؤلاء سياسيين مبتذلين يحمل استنتاجهم هذا سوء النية ولعله في تناوله لهذا الموضوع قد حاول بكل جهده ان يبرئ الماركسية من هذه الجريمة، فهو يشير الى ان "الديمقراطية ترتبط بضرورة الاعتراف بحقيقه التعدد والاختلاف والتنوع والاجتهاد، وهو بالنسبة لمجتمعنا المتعدد الثقافات ( عربية، كردية، تركمانية، آشورية . . . الخ) مسألة جوهريه في إطار التفاعل بين هذه الثقافات ومقدمه ضرورية للحوار الذي يشكل جوهر الممارسة الديمقراطية..... (4) ورضا الظاهر . . .يعشق المرأة ، حتى النخاع، ويكاد يبحث دائماً في مكنونات نفسه عن مدخل يمكن من خلاله الولوج الى طبيعة المرأة، ففي كتاباته "النسر المحلق ، . . تأملات في مثال روزالوكسمبورغ والأمير المطرود . . شخصيه المرأة في روايات أميركية وأمير آخر مطرود . . شخصيه المرأة في روايات بريطانية وغرفة فرجينيا وولف . . . دراسة في كتابة النساء"
يجعل المرأة بأنها المخلص والمضحي والمنقذ والشهيدة، ولعلي بالإمكان ان اجعل وصف "الشهيدة" بين قوسين ،فهذه الصفة او هذه المرتبة ، ليست دنيوية ولاعلاقة لها بالافكار المادية او الجدليات الماركسية، ومع ذلك، فان رضا الظاهر ، الاديب العالي الثقافة والعارف بمدلولات الكلمات ومعانيها اضطر الى استخدامها ، لجذوره الإيمانية التي لم يستطع طيلة الخمسين سنة التي مضت من عمره شيوعياً ان ينتزعها من قلبه، ولا أظن انه ينسى ولعله لايستطيع ان يتناسى، الجو الايماني الذي كانت تقوم به عائلته في عاشوراء الحسين (ع) . ونعود الى المرأة، والمثال الرائع لديه "روزا" فهي لديه واحدة من ابرز ممثلي الفكر الماركسي والنشاط الديمقراطي في اوروبا .والمعبرة الأهم عن المواقف الأممية المناهضة للنزعة العسكرية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المانيا، وهي ناقدة لا ترحم وديمقراطية ثوريه ، تعرضت للتهديد والاعتقال والهرب ، وليس هذا فحسب فهي أستاذة القانون والاقتصاد، وحصلت على الدكتوراه في وقت ندر فيه دخول النساء الى الجامعات ، وليس هذا وحسب فهو يرى ان تقييم لينين لها اكبر جائزة تمنح لمرأة عندما اشار الظاهر الى ان روزا المنظرة الماركسية والثورية اللامعة يقول عنها لينين . . . لقد أخطأت روزا . . لكن على الرغم من كل أخطائها ، فقد كانت ـــ وستظل بالنسبه لنا ــ ( يقصد الشوعين) نسراً محلقاً!!!(5).
ورضا الظاهر لايتعامل مع المرأة من منطلق العموميات، بل انه يحدد تأييده للمرأة الكاتبة المثقفة الأديبة، الشاعرة،الفنانة، . . . .الخ من الصفات التي قد تبز في كثير من الحالات الذكورية بمجموعها ،وينعى دور المرأة في المجتمعات العربية ويعزو ذلك الى "ان نساء النظام التقدمي في الثقافة العربية يساهم في اقصاء كتابه النساء وتهميشها وتسفيهها ،فهناك خلل في تقييم الابداع اذ يعتمد هذا التقييم في حالات غير فليلة على عوامل لا علاقة لها بجوهر الابداع ، ونعني العلاقات والارتياحات الشخصية، والمنافع الضيقة، واللهاث وراء الشهرة والمال ، ومحاباة بعض لبعض آخر سعياً الى الحصول على مكاسب معينة، وفي ظل هذا الوضع غير الطبيعي لايندر ان نجد من برعت من " الكاتبات"ومن "النقاد" ايضاً، في عملية "تسويق الكاتبة" التي تتخذ اشكالاً وتجليات مختلفة تكشف عن جهل فاضح بقواعد وادوات النقد ،او تطويح لهذه القواعد والادوات لاغراض شخصيه ضيقة، كما تكشف عن انحدار في القيم يرتبط ، في جانب منه، بالانحدار العام في الحياة المعاصرة في ما يتعلق بموضوع القيم الاجتماعية عموماً،والقيم الفنية خصوصاً.وفي اجواء هذا الانحدار تستطيع بعض "الكاتبات" كسب الشهرة والمال لاسباب لاعلاقة لها بالخصائص الابداعية لعملهن. . . (8) ويناقش الظاهر بشيء من الفلسفة الادبية الرائعة شخصية المرأة في بعض الروايات الامريكية المختارة في حواراته في "الامير المطرود" الذي يركز فيه على عدد من الروائيين الذين يعتبرون اساسيين في دراسة الرواية الامريكية في القرنين التاسع عشر والعشرين ــ حسب قوله ــ ويعتمد في بحثه هذا على عدد من المفاهيم الاساسيه مركزاً بشكل خاص على ثلاثه منها هي : الجندر ، البطرياركية، والمعيار الادبي،ذلك ان هذه المفاهيم ،وهي مترابطة ومتداخله مع بعضها ويريد رضا الظاهر هنا ان يعتمد مصطلح(الجندر)الذي يعني به التمايز الجنسي (9).ويقرر ان هناك بايجاز فارقاً يمكن استخلاصه بين الجنس والجندر فجانب "الجنس" يتميز بحد ادنى من العوامل البايولوجية التي تجعلنا نميز جسداً معيناً باعتباره جسد امرأة او جسد رجل .اما الجندر فهو قصة الجسد الاجتماعية او السايكولوجيه او الثقافيه. ويستمر الظاهر في شرح هذه الاختلافات وتاثيراتها على السلوك الجمعي للمجتمع حيث يشير الى انه في معظم الثقافات المعروفة تجسد النظرة الاجتماعية او السايكولوجية للاختلاف في الجنس نمطاً من خصائص التمييز الجنسي ،وهي خصائص تضطهد النساء ،والأمثلة على هذا من الكثرة بحيث لاحاجة لوصفها فهي موثقة على نطاق واسع في الادب. (10)
واخيراً هل استطيع ان اشير الى نهاية البحث في افكاره ومؤلفاته واسلوب وطريقة كتابة الاستاذ رضا الظاهر ؟ والحقيقة فاني حاولت في السطور السابقة ان اؤطـر بعضاً مما استطعت ان استنبطه من اراء وافكار " ولا اقول تقييمات" لما قراته وعرفته عن هذا الاديب العراقي الذي عاش حياته بالطول والعرض ولم يترك زاوية او نهجاً ــ كما يقول التونسيون ــ او جبلاً او تلاً او صحراءً او درباً يحقق آماله وأهدافه ، الا وسلكه ، عبر رحلاته التي امتدت طيلة الخمسين عاماً المنصرمة واني اذ اضع حداً لهذا البحث الذي ارجو ان أكون قد وفقت من خلاله في تحديد بعض ملامح افكار الاديب ابو نادية ، ادعو الاخوان من الباحثين في الادب ان يبدأوا بالبحث في اعماق الاستاذ رضا الظاهر ، وهنا لابد لي ان اسجل حسنه لمن كانت له اليد في إقناع ابي نادية للعمل في بلده الام مرة اخرى ، فالأم أولى بأبنائها النجباء.
الهوامش
(1) رضا الظاهر ، موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة ،دار الرواءالمزدهرةللطباعة والنشر.الطبعة الثانية 2007 ، ص 5.
(2) رضا الظاهر ، موضوعات نقدية ، المصدر السابق ص 55 ــ 56 .
(3) المصدر نفسه ص 73 ــ74 .
(4) المصدر نفسه ص 74 .
(5) النسر المحلق . . تأملات في مثال روزالوكسمبورغ ، الطبعة الاولى ،دار الرواء المزدهرة للطباعة والنشر 2010 بغداد .ص 16 .
(6) المصدر السابق ص 16 .
(7) رضا الظاهر ، غرفة فرجينياوولف ، دراسة في كتابة النساء ، الطبعة الاولى ،دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الاولى 2001 ص 6 .
(8) المصدر السابق نفسه ص 10 .
(9) رضا الظاهر ،الامير المطرود ، شخصية المرأة في روايات بريطانية ،دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الاولى ، 2002 ص 7 ،8 .
(10) المصدر السابق نفسه ص 9 .
(11) رضا الظاهر ،اميراخر مطرود ، شخصية المرأة في روايات بريطانية ،دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الاولى 2010 ص 18 .
(12) المصدر السابق نفسه ص 18 ، 19 .
(13) تاملات في قضايا عراقية الجزء الاول دار الرواء المزدهرة للطباعة والنشر الطبعة الاولى 2010 ص11 .
(14) من قصيدة لبدر شاكر السياب ، انشودة المطر .
(15) رضا الظاهر تأملات في قضايا عراقية الجزء الثاني دار الرواء المزدهرة للطباعة والنشر الطبعة الاولى 2010 ص209 .
(16) المصدر السابق نفسه ص 209.
(17) رضا الظاهر تاملات عراقية . . . .الجزء الثالث ص 184 .